الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

هوسبيس

قال لي رجل يحمل الجنسية الكندية: «لو أصبتُ بالسرطان فإن آخر بلد أريد أن أموت فيه هو بلدكم!»، أصبت بالدهشة لما قاله، سألته عن السبب فأجاب: «مع احترامي الشديد، فإنكم لا تملكون الأماكن التي تسمح لمريض السرطان بأن يعيش فيها آخر أيام حياته بسلام، أو القانون الذي يسمح للمريض بأن يختار عدم إنعاشه في حالة توقف قلبه أو تنفسه». استوقفني ما قاله، لأنه محق فمراكزنا العلاجية على الرغم من توفر كل شيءٍ فيها، إلا أنها تفتقر إلى ما يسمى لدى الغرب بالهوسبيس hospice على الرغم من نشوء فكرته في أوروبا منذ القرن الحادي عشر، وانتشار مراكزه بكثرة في أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى في وقتنا الحالي. والهوسبيس هو مكان يحتضن من يعانون من أمراض أهلكت أجسادهم، وتفشت فيها، وجعلت من أيامهم أياماً معدودات، وذلك لجعلهم يعيشون أواخر أيام حياتهم بسلام وراحة، بعيداً عن أجواء المستشفيات المزعجة والتحاليل والأدوية التي قد لا تفيد في وقف المرض الذي وصل مراحله الأخيرة، وإنما فقط تزيد من معاناة المريض. أول مرة عرفت فيها عن هذه المنشآت في كتاب غازي القصيبي الأخير «الزهايمر» الذي تدور أحداثه في هوسبيس، كنت حينها ماأزال أدرس الطب ولم أعِ فائدة مثل هذه الخدمات. وعندما بدأت بالعمل طبيبة امتياز، كلفني الاستشاري بالعناية بمريضة عادت من الولايات المتحدة بعد فشل كل محاولات علاجها من السرطان الذي انتشر في جسدها، فكانت تعيش أيامها الأخيرة، وكانت حالتها تتدهور كل يوم، ونراها تموت أمام أعيننا شيئاً فشيئاً، إلا أن كل ما كان بوسعنا فعله هو زيادة الأدوية لها والفحوص. أذكر أن الاستشاري الأمريكي أخبرني حينها أن أفضل مكان لها هو الهوسبيس، إلا أن مثل هذه الخدمات غير متوفرة للأسف. والآن وبعد أن انضممت إلى تخصص الباطنية، وبات تعاملي مع حالات السرطانات المتفشية شيئاً دائماً وشائعاً، استشعرت مدى أهمية إنشاء مثل هذه المراكز، حتى يعيش المرضى آخر أيام حياتهم بسلام، وحتى لا يشعر الطبيب بالعجز والحزن على مريض لا يمكن أن يساعده في شيء، و محاولاته لن تكون سوى استنزاف للمصادر، وليتم استغلال أسرة المستشفى لحالات بحاجة أكبر لخدمات المستشفى. يستحق التأمل: «اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين». [email protected]