الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

رفيقات الصِّبا

هناك في بقعة ما تركنا آثاراً من عطر ورسائل بخط أيادينا، رحلنا عنها مجبرين، كنا يوماً رفيقات وصبايا بعمر الزهور بعبق ماض له رائحة الطين والحب، جمعنا «فريج النباعة» وحديث مشبع بخصوبة الأرواح النقية، جمعتنا الحميمية وذكريات النهار والكاسيت والسهر وموقد الأيام الباردة، التفت أصابع الحب يداً واحدة لتلهو ببراءة وتلعثم اللسان. هناك كل شيء مختلف مزهو بياسمين الكلام، مكتظ بأجسادنا وقلوبنا العفوية، شيء مختلف لم نجده اليوم، رفقاء مدرسة وفريج واحد ومنزل وحلم أبيض كاللؤلؤ، تحت سدرة البيت كانت أحلامنا تنطق بشفاه وردية وكهمس الحرير، كل شيء مختلف حتى تلك الدفاتر والكتب والأقلام والحقائب المدرسية. فوق شارع الحب كانت خطواتنا تعدو لهفة للقاء الأول، ترسم على كراسات التربية الفنية القلوب المجروحة والضحكات الممتلئة بالخجل، صبايا يتنفسن من هواء المكان والزمان والود، يشربن من رحيق الحنين لخلية الانسجام، كل شيء مختلف، منازلنا «والوارش» والغرف والمساحات المكتظة بألعابنا الشعبية كالمحار (أو البعو) و(القيس) أو (القحيف) وعرائس الأقمشة (الحيا) .. تلك الأماكن مشبعة بأكسجين الاشتياق وانتظار تحقيق الأماني، حياتنا اليوم أخذت حيزاً أكبر لابتعادنا عن بعض، لكل منهن منأى لحياة وكينونة عائلة ونصيب وقدر. فرقتنا الأماكن ولم تفترق القلوب رغم المسافات، مازالت جعبة عقولنا عابقة بالماضي الجميل، يلجم لسان حالنا حين نستعيدها، ونحن أقرب من بعض، عزاؤنا اللقاء وبث روح الحياة داخلنا من جديد، فما مضى لن يعود ونبقى نكرر «ليت الشباب يعود يوماً فنخبره بما فعل المشيب» .. تلك جزئية من الجزئيات الأكثر صخباً حولنا، فما نلبث إلا وتستعيد الأنفاس حنينها وبخورها العتيق. رفيقات الصبا .. قد تصمت اللغة وتحتار القواميس في أن تبث مشاعرها في ملامسة تلك الأوقات البعيدة القريبة إلى الروح؟ قد نرسمها في مخيلتنا، ونحن أعلم وما يدور حولنا اليوم من متغيرات قلبت حياتنا رأساً على عقب، وتفاقمت برحيل الأحبة حولنا .. وهذه المسؤوليات والمهام نحن لها يا رفيقات قلبي. [email protected]