الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

معنى الإنسانية

ذات يوم فكرتُ في البحث عن الإنسانية، فقدتُ حواسي الخمس، وتركتُ أطرافي تعدو سريعاً نحو كل ركن وزاوية، ثم منزل وحي، ومدينة وقرية .. تذكرت أن في كل منا إنساناً أو بمعنى اسم إنسان، خُلق ليعيش ويتعايش ويُفكر ويَعلمُ من يُدير هذا الكون العظيم. داخلنا إنسان يحمل مفردته الخاصة وكينونته ومكانه فوق هذه الأرض، ووطنه ومدينته ومنزله، تخيلت أنا نفسي كيف علي أن أجتاز حدود الأوطان، وأقفز من وطن إلى حي إلى قرية، وأكون وسط أفواج من بشر وأفراد وحياة وضجيج. الخيال سهلٌ جداً .. سأتعايش معه، وقد أستطيع إيجاد نفسي فوق سطوره فوق هذه الأرض، ولكن البعض لديه الكثير من الطموحات القادرة على أن تقلب الخيال حقيقة، ولو قرر رجل مثلاً على هذه الأرض ومن أي مكان أن ينفصل كلياً عن منزله، حاملاً تذكرة وحقيبة وطموحاً مغادراً ومتجهاً للبحث عن الإنسانية، ربما يجدها، وقد يتوه ما بين ذاته وحقيقة التفاصيل حوله، أو بالأحرى قد يضيعُ وسط كومة من حدة الأوجاع. ولأنه استطاع التفكير في هذه الكلمة، مشاعره تلك نثرها فوق سطح الأرض، ليعلنها للعالمين أنه عازمٌ وبإصرار على أن يكون ضمن الموقنين بوجود الإنسانية، وحدثَ أن أناخ بقافلته قريباً من مدينة نائية تَركت ندوب أوجاعها على ملامح أهلها، وفاقت حالة كل منهم حد شعورك بالغثيان. هناك المساعدات والإعانات المادية والمعنوية، ومن تسامت إنسانيتهم، وفاقت حدود العطاء البشري، لذا الإنسانية تأتي على هيئة دول عظيمة، ولكن حياتهم الفقيرة كافية أن تبتسم، ماذا لو حمل أمتعته مرة أخرى لبعض القرى المترامية فوق الأرض، ويشاهد أمامه، الموت ينزع الأرواح بعويل الأمهات وصراخهم، وخلف النافذة طفلة تئن، تَنْكُز جدران قلبها المهشم، وجدار باقٍ ليحميها من عدو غاشم قد يباغتها وينحرها بصمت، حول هذه الجثث أين تكمن القصيدة الإنسانية؟ زحمة الموت، نظرة الشفقة، الحلم العربي المزكوم، إلى متى؟ [email protected]