الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

إنسانية طور التكلس

منذ فترة لفتتني صورة يتداولها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل بين تفاصيلها رجلاً يقوس يديه وعلى راحتيه يضع قليلاً من الطعام ويجلس أمام قطة ليطعمها ويسقيها بعض الماء .. الإنسانية وقيمها التي لم تعد خطوطها واضحة في زمن القتل والإرهاب الذي نعيشه تثير حفيظتي، أجلس لأتصفح موقع تويتر ويذهلني أن يضج «التايم لاين» ليحتفي بتلك الصورة التي أشرت إليها في مقدمة هذا المقال، ليست الغرابة بما أُلتقط من تفاصيل لكن الغرابة تكمن في فكرة تداولها وهذا الضجيج حولها. الصورة بتفاصيلها ليست مثار استهجان أو دهشة لكن أن يتناولها ويتداولها الناس بهذا الزخم هو ما أفزعني وأحالني للخوف والتساؤل عن معنى اندفاع البعض لتقدير الصورة والاحتفاء بها، هل إطعام قطة حدث خاص يحتفي عالم التواصل به ويضج من أجله؟ ما الذي دفعنا اليوم للاستغراب والاحتفاء بهذا الحدث الإنساني البحت الذي إن عدنا به لأصله سنجد أنه جزء منا ومن تركيبتنا التي جُبلنا عليها ضمن إنسانيتنا التي نعول عليها؟ هل أصبح الرفق بالحيوان والاهتمام به في زمن القتل والذبح ودحرجة الرقاب أمراً مستهجناً أو غريباً؟ هل أصبح ذلك الأمر حدثاً يجب الاحتفاء به؟ هذا ما يقلقني جداً في زمن أُطفئت به إنسانيتنا، في زمن داعش وعبثها بالأرض فساداً، وتفجيرات مصر الجميلة والضحايا الذين لا دخل لهم في ما دفعوا حيواتهم ثمناً له، والبراميل المتفجرة تحصد أرواح الآلاف في سوريا، وتقتنص أحلامهم، وتشرد الكثير من بيوتهم.. كل تلك الأشياء تدفع بإنسانيتنا نحو التكلس والجمود اللذين تمر بهما في هذا الزمن الذي تراق به دماء الأطفال .. وما سبق أن ذكرت حول صورة لرجل يحمل بين يديه طعاماً لقطة يطعمها من يديه .. هل تحجرت إنسانيتنا ونحن نحاول قراءة الأخبار كل يوم .. أخبار فحواها القتل والدمار حتى لم يعد الأمر يثير حفيظتنا كي تثيرها صورة لرجل يطعم قطة صغيرة جائعة ..