الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

جثث ورؤوس مقطوعة

عندما كنت طالبة درّسني الأستاذ علي النميري ـ رحمه الله ـ طب جراحة التجميل، وكان من ضمن الموضوعات التي شرحها لنا هي الحروق وعلاجها، أذكر أني كنت طوال الوقت أتجنب مشاهدة الصور، التي يعرضها الدكتور، حتى إنه انتبه لهذا الشيء وسألني لماذا لا أنظر إلى شاشة العرض، فأجبته إني لا أتحمل رؤية صور الحرق، فأردف إني طالبة طب ويجب أن أقوي قلبي، ولكني أصررت على عدم مشاهدة الصور. وبعد أن بدأت أدخل عالم المستشفيات وأصبحت طبيبة امتياز، استمرت هذه المشكلة، وكلما علمت بوجود حالة مريض مصاب بالحريق أتجنب مشاهدته والمرور من عنده، لأن قلبي لا يتحمل هذه المناظر فعلاً، والحمد لله دخلت تخصصاً لا أحتك فيه بمرضى الحرائق. غابت تلك العقدة من رأسي، حتى قبل عدة أيام وأنا أقرأ قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث تكالب عليه قومه وقرروا حرقه، بعد أن فعل بآلهتهم ما فعل. كنت أشعر وأنا أقرأ تفاصيل التجهيز للنار بدقات قلبي، وتذكرت الطيار معاذ الكساسبة ـ رحمه الله ـ وكيف أني عندما قرأت الخبر حزنت عليه كثيراً، بالرغم من أني لم أشاهد الفيديو، ولكن اكتفيت بوصف من حولي عنه. كتبت كل هذا لتعجبي من تداول الناس للمقاطع ومشاهد الجثث والحرق والنحر، أراه شيئاً غير طبيعي وغير سوي، فبالرغم من أني طبيبة وأرى الكثير من المناظر البشعة، إلا أني مازلت غير قادرة على تحمل ما يتم نشره. كنت أقرأ قبل مدة خبراً على موقع (العربية) تصف فيه طبيبة نفسية سبب الإقبال على مشاهدة فيديو حرق الكساسبة، بالرغم من بشاعته، فقسمت المشاهدين لأربعة أقسام: الأول هم الذين اعتادوا على مشاهدة هذه المقاطع حتى أصبح عندهم إدمان وتبلد مشاعر، الثاني هم المصابون باليأس والإحباط فيتوجهون إلى مشاهدة هذه الأشياء العنيفة للابتعاد عن الواقع المرير، الثالث بسبب الفضول والرغبة في الاستكشاف، الرابع ليجاري أقرانه والناس من حوله، الذين شاهد أكثرهم الفيديو فلا يتخلف عنهم. جعلني هذا أشعر أني ولله الحمد، طبيعية، وأن الناس المتداولين لمثل هذه المقاطع هم غير الطبيعيين. «اللهم إنا نعوذ بك من النار». [email protected]