الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مصرع الشمس

لم يؤثر في وجداني الشعري، ويأخذ بتلابيب روحي وعقلي شاعر كما فعل بدوي الجبل، ذاك المرهف الذي جمع في قصائده جزالة اللفظ وجمال الصورة وروعة البيان، وقال عنه ابن بلده وبلدي، نزار قباني الذي يصغره بعشرين عاماً «البدوي آخر سيف يماني معلق على جدار الأدب العربي». وأصدقكم القول إني توقفت كثيراً مؤخراً عند نبأ الإعداد لعمل درامي يتناول سيرة الشاعر الراحل، واختيار «مصرع الشمس»، وهي إحدى أجمل قصائده، عنواناً له. وأحسبه عنواناً يليق بمسيرة انتهت بصاحبها مريضاً يعاني ما يعانيه آخر أيامه، إثر تعرضه لمحاولة اغتيال من آثمين لم يرضهم أن يصدح «البلبل الغرّيد» بغير ما أراد الطغاة. وإذا كان تشبيه أي مبدع بالشمس يدغدغ غروره الإنساني، وأناه الإبداعية، فأجزم أنه لم يكن ليرضي «بدوي الجبل» لو سمع به، وكيف ترضيه هكذا مقاربة ظالمة، وهو القائل «الخالدان .. ولا أعدّ الشمس، شعري والزمان». وبقدر ما أسعدني تسليط الضوء درامياً على حياة البدوي، لتأخذ هذه الشخصية حقها بعد تعتيم مقصود، بقدر ما أقلقني الخوف من انضمام المسلسل إلى قائمة طويلة من أعمال السيرة الذاتية التي أخفقت ريشتها، في رسم نبض متدفق لحياة وشاعرية أدباء ومشاهير كُثر. شخصياً، لا أؤمن بأن عملاً درامياً أو ممثلاً مهما اجتهد وامتلك أدوات فنه قادر على محاكاة، ولو نصف مقنعة، لخلجات روح أديب، في لحظات مخاض القصيدة أو ولادتها، ليس انتقاصاً من فن الشاشة الفضية والقائمين عليها، بل لأن مهمة كهذه تقارب كثيراً البحث عن العنقاء أو الغول أو الخل الوفي. لذا، ولذا فقط، ليتهم يغضون الطرف عن مشروعهم الفني، ويتركون البدوي يحلق في عليائه التي لا تطال، كي لا يصرعوا الشمس مرتين. [email protected]