الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

العالم التشيخوفي (1)

يدور عالم تشيخوف الدرامي حول العلاقات داخل مجموعة الأفراد المعلقين في عالمهم الصغير. ومن ناحية أخرى فهذه الدراما تعرض أمامنا قطاعاً ميكروسكوبياً كاملاً للحياة الروسية بجميع طبقاتها وشرائحها، بل وتجمع قصصاً وخطوطاً من حياة المواطنين موظفين وأطباء ومديرين وخدم وفلاحين وبروفيسورات وممثلين ومُلَّاك، وكل ذلك في مخطوطة تاريخية للنصف الثاني من القرن التاسع عشر. إن البطل عند تشيخوف يظهر من خلال موشور زجاجي يحلل جميع تفاصيل تيار حياته في تشابهه مع الآخرين، وعبر التعرف والاكتشاف، وعلى أساس الضرورة وتكرار أشكال وطقوس الحياة المعيشية العامة. كل لحظة من لحظات الحياة العادية المملة ـ في تفردها واختلافها عن اللحظات الأخرى ـ تكشف لنا عن عالمه، وتتيح إمكانية واضحة للنظر إلى الوجوه غير المتوارية خلف القناع الاجتماعي بطولياً كان أو رومانتيكياً. ومن وجهة نظر معاصري تشيخوف من ذوي النظرة المحدودة، فإن أعماله مرتبطة بالقضايا والأسئلة والأنماط الحياتية الخاصة بالزمن الذي كتبت فيه، وبالمجتمع الذي كتبت عنه، وأن خصائص الشخصيات والمواقف تبدو جميعها كأكليشيهات روتينية جاهزة وذات مستوى أقل من المتوسط (وهذا يفسر سر الهجوم الدائم على تشيخوف باعتباره كاتباً لأعمال درامية من حياة السذج والمملين). والجدير بالذكر أنه حتى هؤلاء المعاصرين من ذوي النظرة الأكثر تبصراً وفطنة كانوا يرون في أبطاله، وفي مواقف حياتهم ووجودهم شيئاً ما عادياً، ولكنه في الوقت ذاته خارق للعادة، ومميز جداً لحياة المثقفين الروس في نهاية القرن التاسع عشر. [email protected]