الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

العالم التشيخوفي (2)

ركز الكاتب الروسي أنطون تشيخوف كل اهتمامه على المشاكل والقضايا النهائية ـ الجوهرية في الحياة: نهاية الوجود الإنساني، ونسبية المعرفة والمأساة في العلاقات العاطفية. وهذا في الواقع ما يميز ويحدد أحد أهم مستويات الصراع في أعماله. وهو صراع روحي بالدرجة الأولى يتضمن في داخله مجموعة كاملة من المعارضات والتناقضات. علاوة على أنه لا يؤدي في أي حال من الأحوال إلى أي من تلك التناقضات الروحية عند الكلاسيكيين أو الرومانسيين (والحديث يدور هنا حول التناقضات الروحية التي أصبحت بشكل تاريخي أساسية مثل الواجب ـ العاطفة عند الكلاسيكيين، والحلم ـ الواقع عند الرومانسيين). إن الفكرة الأساسية عند تشيخوف هي التناقض الواضح بين مجموع التصورات الإنسانية عن الحياة، بل وحتى يمكن القول بين الخبرة الحياتية للإنسان، وبين حياته نفسها، ما يجعل منهج تشيخوف مرتبطاً بمذهب العبث في القرن العشرين. فقد كان ينظر إلى الموقف الحياتي العادي والمألوف كموقف استثنائي طارئ، وتبدو لديه الأحداث في سيرها غير القابل للعودة إلى الوراء واضحة وعادية بدرجة كبيرة، بل وفيها بعض القسوة مثل: فشل وانهيار البدايات الإبداعية ـ المواهب ـ أمام قهر الواقع المؤلم. وبشكل عام فالبحث عن مَخْرَج من المواقف المعقدة يؤدي بالبطل التشيخوفي إلى الاصطدام بالأسئلة والقضايا النهائية ـ الجوهرية للوجود، وحالة العالم وعلاقات الأبطال به والتي تبدو بحثاً عن مواقعهم في الحياة، وفي هذا العالم، ومحاولة للاتصال والتواصل مع القوانين الإلهية المُنَظِّمَة للكون، كلها في مجملها تُكوِّن جوهر النص المسرحي التشيخوفي.