الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

العالم التشيخوفي (٣)

لقد كانت اهتمامات تشيخوف الفلسفية في مجملها متعددة ومختلفة، ومتناقضة أيضاً. ومن الفلاسفة الذين أثروا في وعي وتصورات تشيخوف: هيجل وكانط وشوبنهور ومارك أبريل. ويمكن ذكر الكاتب والمفكر الروسي ليف تولستوي أيضاً. إلا أنه ولا واحدة من تلك الفلسفات، بشكل كامل ومنظم، يمكن أن تكون مسؤولة بشكل تام عن التصورات التشيخوفية حول العالم، لأن تشيخوف نفسه رفض الأخذ بشكل كامل بواحدة منها لقناعته بأنها غير كاملة، ومن ثم فقد اعترض على موضوعات محددة من هذه الفلسفات، وأظهر عدم رضائه عنها. أما ما أثار اهتمامه بالدرجة الأولى، وما يمكن أن نرى له انعكاسات في مؤلفاته، فهو ديالكتيك هيجـل، والتضاد ـ المعارضة ـ عند كانط، والإيمان بالتقدم وخصوصية مذهب اللا أدرية للمذهب الإيجابي (الوضعي) بالمدرسة الإنجليزية، والنظرة التأملية الخاصة عند شوبنهور، والتي وهبته القدرة على محاولة الابتعاد عن المعاناة الشديدة للعالم، و«رواقية» مارك أبريل، وعلم الأخلاق عند تولستوي. إن مجمل عناصر هذه الفلسفات والمذاهب يمكن إيجادها في النظرة التشيخوفية الخاصة إلى العالم بكل ما فيها من إحساس بالسرية والغموض الدائمين للحياة، وتركيزها على إدراك الإنسان للعالم، وفي نفس الوقت بنظرة متيقظة واعية للتناقض العدائي بين الحياة وتصوراتنا الذهنية عنها. وعموماً، فالصورة المعقدة للعالم عند تشيخوف تتبلور أساساً من مجموعة من الأوهام الإنسانية المحكوم عليها بعدم التحقق، ومن المثل العليا المستحيلة، حقيقية كانت أو خادعة. وتشيخوف لا يختار الطريق الحقيقي والجيد مثل تولستوي، ولكنه يدعو القارئ لإلقاء نظرة على دهاليز التيه الغامضة التي يسلكها الناس في بحثهم عن الحقيقة. [email protected]