الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

الحرفة والفن ما بعد الحداثة

إن اختلاف الحرفة عن الفن يكمن في أنه في الحرفة - وهذا الاختلاف ليس الوحيد، ولكنه مهم جداً - تغلب النمطية وتهيمن في عمومها على التفرد الشخصي ما يضاعف بشكل خاص من محدودية المجالات الحرفية ومن أهدافها ووسائلها ونتائجها ومعاييرها. وبكلمات أخرى، فالحرفة تقوم أساساً على القواعد والأسس العقلية المنطقية التي تحددها القدرة والمعرفة والخبرة، وليست الموهبة الفردية أو البداية الإبداعية. هذه القواعد والأسس العقلية المنطقية بحد ذاتها كافية لتُبقي الحرفة شيئاً بذاته. أما في الفن، فالذي يشكل المعنى والفائدة وهدف الوجود ويهيمن، هو تلك البداية أو الانطلاقة الإبداعية الذاتية، التي تجد صورتها الأسمى في «عالم الفنان التشكيلي». وبالطبع فهذه مقابلة فظة وغير جدلية لأنه في نشاط الفن التشكيلي لا تفصل الحرفة – الصنعة - عن الفن، حيث يرتبط كل منهما بالآخر بعلاقة جدلية معقدة ومتقلبة. ويمكن تصور عملية الرسم أو التصوير كارتقاء من الحرفية نحو الفن. لقد بلغت هذه العملية ذروتها في المدرسة الانطباعية عندما وصل التعبير الفردي عن الذات إلى أقصى مداه. أما ما بعد الانطباعية فقد أبدت نزعة للارتداد إلى الوراء نحو هيمنة وتحكم القواعد التي وضعها هذا التيار الفني أو ذاك، بينما تعزز دور هذه القواعد في التكعيبية. وبعد ذلك في الـ Suprematism لم يكن إلا في استطاعة المتخصص الجيد تمييز كازمير ماليفيتش عن تلامذته. ثم ازدادت الأمور تعقيداً، ففي مرحلة ما بعد الحداثة شُطِبَتْ إشكالية التفرد الشخصي، وكان يكفي أن يتم اختراع أي قاعدة أو قانون مؤقت يمكن العمل على أساسه، ولا يهم من سيسير عليه بعد ذلك في أعماله الإبداعية، هل هو المايسترو نفسه الذي اخترع القانون أم العامل المأجور. [email protected]