الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

الأدب وتكنولوجيا الاتصال

كما تترك التكنولوجيا آثارها على العلاقات بين البشر على النحو الذي صورته رواية «نسيم الصبا» للنمساوي دانيل غلاتاور، موضوع حديثنا الأسبوع الفائت، فإنها تؤثر وبعمق أيضاً في الأدب وتقنياته، و«نسيم الصبا» نفسها مثال لذلك. فالعمل يتكون أساساً من رسائل متبادلة بين الشخصيتين «ليو لايكة» و«إيمي روتنر»، وتقنية الرسائل، بطبيعة الحال، ليست جديدة، والأعمال التي استخدمتها كثيرة سواء في الأدب العالمي أو العربي، لذلك لا يمكن القول بأن «نسيم الصبا» قد حققت خرقاً واضحاً في هذا المجال، غير أن من المفيد الإشارة إلى أن الرواية قامت أساساً على التواصل عبر الرسائل الإلكترونية، واقتصر دور المؤلف على نسخها ولصقها من دون أية إضافات، أو تعليقات، أو هوامش.. وأن تكون الرسائل إلكترونية فهذا يعني تأثيراً في عنصر الزمن وإيقاعه، لأن الرسائل المكتوبة تحتاج إلى وقت طويل يفصل بين لحظات الإرسال والتسلم والرد، وقد يكون هذا الوقت أياماً أو أسابيع، في حين أنه هنا قد لا يتجاوز بضع دقائق. إن عامل الاستجابة الفورية أو السريعة سيؤثر في الأحداث بكل تأكيد، لكن الأهم من ذلك أنه سيرغم الكاتب على تغيير طرائقه في معالجة عنصر الزمن، والبحث عن أدوات مختلفة للتحكم فيه، ما يعني أن تأثيرات التكنولوجيا لن تقتصر على الموضوع، بل تتجاوزها إلى المنطقة الأعمق المرتبطة بهوية الأدب. ولا يأتي ذلك بوصفه خياراً مطروحاً أمام الكاتب، بل بوصفه إجراء حتمياً لا مهرب منه. [email protected]