الاحد - 12 مايو 2024
الاحد - 12 مايو 2024

لا تتذلل مُكرهاً

لم يكن بوسعهم أن يكونوا أفضل مما قدموا، برغم أن محاولاتهم تقديم الأفضل كانت مستمرة دائماً ولم يتوقفوا يوماً عنها، لذلك جاء الطلب الرباني بخفض جناح الذل من الرحمة إذا ما كبروا، لأن ذاك الطفل العاجز عن كل شيء بما في ذلك إطعام نفسه أو إيواؤها أو كسوتها أصبح اليوم شاباً فتياً، شب عوده بفضل الله ثم كدح والديه وحرصهما، كما أصبح مستقلاً، قادراً على أن يحقق لنفسه كل شيء بعيداً عن مساعدتهم، يملك فكراً ووعياً خاصاً به، إلا أنه وبحكم فارق الأجيال أصبح وعيه يبعد مسافات طويلة عن وعي والديه، فينسى العجز الذي كان يكبله فيتكبّر ويبدأ مجادلتهم إلى أن تقع بينهما الفجوة فتكبر شيئاً فشيئاً. لم يأتِ هذا الطلب الرباني عبثاً، إلا من معرفة عميقة بالنفس البشرية وأحوالها، وأنه لا حل من الممكن أن يُحقق التوافق بين الابن ووالديه في الكِبر سوى خفض جناح الذل من الرحمة، أما حماسة الجدال التي يتمتع بها الشباب لإجبار والديهم على مواكبة الوعي المعاصر فلن تُجدي نفعاً، بل قد تُلحق بمشاعر والديهم الكثير من الأذى وستضر بصفاء العلاقة بينهما. فقط اخفض جناح الذل، تذلل ولا تتذلل لهما مُكرهاً أو مُضطراً بل تذلل من الرحمة لأنهما في يوم من الأيام تذللا لك حباً وخوفاً وعطفاً، فلن يليق بهما اليوم إلا التذلل من الرحمة. [email protected]