السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

سأقول لأحفادي عشت بزمن ..

عشت في زمن الكهرباء وجلسات السهر والعشاء المتأخر، في الوقت الذي كان فيه آباؤنا يعيشون زمناً آخر يحضر فيه الليل إليهم فيجلب معه الخوف والوحشة ويلغي كل شيء آخر سواه، ويختبئ الجميع في بيوتهم ويبقى هو الحاضر الوحيد، ويعم الصمت والسكون. عشت في زمن الهاتف الثابت ذي الأرقام المدوّرة، وعرفت مع أبناء جيلي فيما بعد الهاتف اللاسلكي ثم الهاتف الجوال بتدرّجاته المذهلة، وعرفنا الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وسافرنا بالطائرات والقطارات السريعة والسيارات الفارهة، ولم نضطر يوماً إلى ركوب الحمير والبغال أو المبيت في بيوت الخوص «العريش» هرباً من حرارة الجو، ولم نستخدم المكواة اليدوية التي تحمى على النار، وقد عرف جيلنا التلفزيون وأفلام الكارتون، والغريب الذي لم أستطع فهمه في هذا الزمن، أنّ من صنع واخترع جميع تلك الوسائل التي غيّرت حياتنا نحو الأفضل ورفعت عنّا التعب والضيق والمشقّة أمسى شخصاً كافراً، وحلالٌ قتله! عشت في زمن نختلق في مجتمعاتنا فيه عداواتنا ونصنع مشكلاتنا ونحاول أن نجد قيمةً لأنفسنا من خلال معاداتنا للآخر، فما عادت للمنطق أيّ علاقة بقناعاتنا ولا للضمير صلة بتصرفاتنا، فقد عشت في زمن المتاجرة بالدين، والكل يدّعي أن سفينته هي الجودي وأنها الناجية الوحيدة، ويُنادي في الخلق من حوله: اركبوا معي ولا تكونوا من الكافرين! [email protected]