السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

خطان لا يلتقيان أبداً

نستطيع تعلّم الفيزياء على يد رجل ضعيف الذاكرة، ونتعلّم الأدب على يد آخر مجهول النسب، ونتلقّى التاريخ من شخص لا أخلاق له، لكن لا يمكننا فعل ذلك عند تعلّم الدين، إذ يشترط في الشخص الذي نتلقّى منه العلم الشرعي أن تتوافر فيه مجموعة من الخصال العلميّة والأخلاقية، وأن تكون سيرته بين الناس حسنة، وأن يتمتّع بذاكرة جيدة، لم يخبر الناس فيه كذباً أو نسياناً أو سوء أمانة أو أي فعل آخر يخدش الحياء ويخرق المروءة. قد يكون الخطأ في العلوم الطبيعية فظيعاً، وربّما بدا الخطأ الأدبي معيباً، والخطأ التاريخي قبيحاً، ولكن تعلّم الدين بشكل خاطئ أمر كارثي، يجعل الدين مسخاً وأصحابه شياطين فينفر الناس من الدين ومن يدعون إليه، فالتعلّم الخاطئ للدين هو تعلّم للدين الخاطئ الذي يدعو إلى تلطيخ وجه الرحمة بالدماء والأشلاء، وكسر ميزان العدل بسيف التسلّط والتجبّر والتمييز الديني والمذهبي، وإخفاء وجه التسامح الديني بخمار التوجّس والتشكيك في الآخر ونواياه، ومحو آية العقل بظلام الجهل والتخلّف والانغلاق، فيغدو الناس حيارى تائهين بين مبتعد عن هذا الدين الذي ما عاد يمثّلهم، وبين من ضلوا طريق الهداية لأنهم استدلوا بدليلٍ أخذ بأيديهم إلى طريق يسير بالقرب من الدين ولكنه ليس ديناً أبداً، كالخطوط المتوازية التي تسير إلى جوار بعضها ولكنها لاتلتقي أبداً. [email protected]