الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

أزمة ورق الحمام تجسد الوضع المأساوي للاقتصاد العالمي

أزمة ورق الحمام تجسد الوضع المأساوي للاقتصاد العالمي

من كان يتصور أن هؤلاء الذين قاموا بتخزين كميات كبيرة من ورق الحمام أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد، سيكتشفون بعد انتهاء الجائحة أنهم اتخذوا قراراً اقتصادياً صائباً، وأن فوائد هذا القرار ما زالت تتوالى بما لا يدع أي مجال للشعور بالخجل ولا حتى الندم.

ويقول خافيير بلاس المحلل الاقتصادي في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، إن نقص ورق الحمام في بدايات جائحة كورونا عام 2020 كان إنذاراً مكبراً لاضطرابات أكبر في سلاسل الإمداد ما زال الاقتصاد العالمي يعاني منها حتى الآن، حيث وصلت أسعار الجملة لورق الحمام في أوروبا الآن إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهناك أزمة جديدة تشير إلى استمرار تزايد الضغوط التضخمية.

وتعتبر صناعة ورق الحمام حالياً نموذجاً مصغراً لمعاناة الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، نتيجة استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج بسرعة صاروخية على خلفية ارتفاع أسعار الجملة للطاقة، الأمر نفسه يتكرر في الكثير من السلع الصناعية بأوروبا بدءاً من الزجاج والسيراميك حتى الألومنيوم والأسمنت والأسمدة وعشرات السلع المستخدمة في الحياة اليومية.

وفي حين تأمل أسواق المال في تجاوز موجة التضخم الحالية، تقول نظرة واحدة على القطاع الصناعي من خلال صعود وهبوط قطاع صناعة ورق الحائط، إن ضغوط التضخم لم تبدأ بالتراجع، وما زال على البنوك المركزية مواصلة تشديد السياسة النقدية للتعامل مع الضغوط التضخمية رغم تباطؤ نمو الاقتصاد.

وكما هو الحال بالنسبة للكثيرين من قطاعات التصنيع، فإن جوهر المشكلة في صناعة ورق الحمام هو ارتفاع أسعار الطاقة، فتحويل الخشب إلى لب ثم تحويل لب الخشب إلى ورق حمام يستهلك كميات من الطاقة أكبر بكثير من استهلاك الطاقة في صناعة أنواع الورق الأخرى.

ورغم التراجع مؤخراً، فإن سعر الغاز الطبيعي في أوروبا يبلغ حالياً نحو 250 يورو لكل ميغاوات/ ساعة مقابل أقل من 20 يورو لكل ميغاوات/ ساعة خلال الفترة من 2010 إلى 2020، كما يبلغ سعر الكهرباء في أوروبا حالياً نحو 15 مثل متوسط السعر قبل عشر سنوات.

ويقول لورينزو بولي رئيس شركة كارتيري ساسي الإيطالية لصناعة الورق، إن قيمة فاتورة استهلاك الطاقة في المصنع ارتفعت من نحو 385 ألف يورو شهرياً في العام الماضي إلى نحو 2 مليون يورو شهرياً في العام الحالي. وفي إشارة أخرى على حجم الضغوط، قدمت شركة هاكله الألمانية لصناعة ورق الحمام والذي يزيد عمرها على 100 عام طلباً لإشهار إفلاسها يوم الاثنين الماضي، وقالت الشركة إن الزيادة «الهائلة» في أسعار الطاقة وغيرها من مستلزمات الإنتاج وضعتها «في مأزق».

ويقول خافيير بلاس إنه سمع شكاوى مماثلة من مسؤولين في شركات صناعة ورق الحمام، وقالوا إن تكاليف الطاقة زادت بما يُراوح بين 300 و400% سنوياً.

وفي الوقت الذي ركزت فيه أغلب الحكومات الأوروبية على كيفية مساعدة المستهلكين في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، سقطت الشركات الصناعية في دائرة النسيان، ومن فنلندا إلى إسبانيا تشعر الشركات الصناعية بالقلق لآن الخيار الوحيد المتاح أمامها لوقف نزيف الأموال هو تقليص الإنتاج وهو ما سيؤدي إلى نقص في المعروض بالأسواق لترتفع الأسعار، في الوقت نفسه تفرض هذه الشركات على عملائها وأغلبهم سلاسل متاجر التجزئة أسعار أعلى مقارنة بمستويات الأسعار في بداية الصيف الحالي.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الجملة لألياف الورق المستخدمة في صناعة ورق الحمام في السوق الأوروبية خلال الأسبوع الحالي لتصل إلى نحو 2200 يورو للطن، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق مقابل أقل من 900 يورو للطن في كانون الثاني/ يناير.2021 وما يثير القلق أكثر هو تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار، ففي الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى حزيران/ يونيو الماضيين ارتفع سعر ألياف الورق بنسبة تراوح بين 3 و5% شهرياً، ومنذ تموز/ يوليو الماضي إلى أيلول/ سبتمبر الحالي ارتفعت الأسعار بنسبة 10% شهرياً.

وسرعان ما ستجد الزيادة في أسعار ألياف الورق طريقها إلى أرفف المتاجر. ومنذ بداية العام الحالي، رفعت شركات السلع الاستهلاكية مثل براكتور أند جامبل وكيمبرلي-كلارك كورب أسعار منتجاتها من ورق الحمام أو قلصت حجم العبوة أو طول البكرة لكي تحافظ على هامش أرباحها.

ويقول مسؤولو هذه الصناعة، إن طول بكرة ورق الحمام حالياً أقل بنسبة تُراوح بين 6 و8% مقارنة بطولها في العام الماضي، في حين ارتفع سعرها بما بين 8 و10% خلال الفترة نفسها.

والآن تقترب موجة جديدة من ارتفاعات أسعار المستهلك على الأقل في أوروبا، ويمكن للمرء أن يتوقع تقليل طول بكرات ورق الحمام بنسبة جديدة خلال الربع الأخير من العام الحالي.

وأخير، فإنه وكما قلنا في البداية تعتبر بكرة ورق الحمام وما يحدث لها من ارتفاع في السعر وتقليل في الحجم نموذجاً لما يحدث في أغلب القطاعات الصناعية خاصةً كثيفة استهلاك الطاقة بدءاً من الأسمدة حتى السيراميك، لتصبح الحقيقة الأوضح هي أن التكاليف ستواصل الارتفاع والإنتاج سيواصل الانخفاض.