الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

أموال ليبيا المجمدة.. تحديات سياسية وأطماع خارجية

أموال ليبيا المجمدة.. تحديات سياسية وأطماع خارجية

مؤتمر باريس حول ليبيا عزز التوجه نحو إجراء الانتخابات الرئاسية. (إيه بي أيه)

لا تتوقف التحديات التي سوف تواجه الرئيس والبرلمان الليبي الجديدين بعد انتخابات 24 ديسمبر على ضرورة إخراج المرتزقة والمليشيات والقوات الأجنبية من البلاد، وتوحيد المؤسسات الليبية الأمنية والمالية، ومواجهة الجريمة والإرهاب في الجنوب الليبي، بل يتعين على السلطتين التنفيذية والتشريعية المنتخبة بشكل مباشر من الشعب، أن تواجه تحدياً آخر، يمثل النجاح فيه المعيار الحقيقي لسرعة إعادة الإعمار وتوحيد النسيج السياسي والاجتماعي الليبي، وهو استرجاع واستعادة ما بين 150 إلى 200 مليار دولار كأموال مجمدة في الخارج.

تفاصيل الأموال المجمدة

فقد جمد البنك المركزي النمساوي نحو 1.2 مليار يورو من الأموال الليبية المودعة لدى مؤسسات نمساوية، كما جمدت بريطانيا 12 مليار جنيه استرليني، أي حوالي 19.2 مليار دولار، وأعلنت كندا في أول مارس 2011 أنها جمدت أموالاً قيمتها 2.4 مليار دولار أمريكي، بينما قالت فرنسا إن هناك ما يقرب من 11 مليار دولار في بنوكها.

كما كشفت وزارة المالية الألمانية، أنها جمدت الوصول إلى نحو 7 مليارات يورو ليبية، وجمدت إيطاليا أيضاً أموالاً ليبية قيمتها 8 مليارات يورو، وهو نفس السياق الذي اتخذته لوكسمبورغ التي جمدت أقل من مليار يورو، بينما جمدت الولايات المتحدة الرقم الأكبر وهو 34 مليار دولار، حسب إحصاء لوكالة رويترز للأنباء.

لكن هذه الأرقام ما هي إلا الجزء اليسير من أموال وودائع وأصول ليبية في الخارج كما يقول الليبيون، وهناك سلة من الأوعية الادخارية والاستثمارية الليبية التي جرى تجميد أصولها في الخارج، مثل محفظة أفريقيا، وشركة الاستثمارات النفطية، التي كانت تستثمر 50% في السندات والأموال السائلة، بينما الـ50% الأخرى تتكون من 550 شركة موزعة في المنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا، وتقع غالبية الأموال السائلة الآن تحت الحظر الأممي، وفق معلومات مؤسسة الاستثمار الليبية.

قرار التجميد

وكان مجلس الأمن قد قرر في مارس 2011 تجميد كل الأموال الليبية في الخارج، و144 طناً من الذهب الخالص في البنك المركزي الليبي، وفق القرار رقم 1973 الذي اشترط لرفع التجميد استعادة الاستقرار في ليبيا من خلال حكومة منتخبة، تمثل كل أطياف وجهات الشعب الليبي.

وفشلت كل جهود الحكومات السابقة في إقناع المجتمع الدولي ومجلس الأمن في إصدار قرار جديد برفع قرار التجميد، كما فشلت كل المحاولات السابقة لإقناع حكومات أوروبية برفع التجميد الكلي أو الجزئي عن الأموال الليبية المجمدة في بنوك تلك الدول، من أجل البدء في إعادة الإعمار منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020.

وسعت حكومة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة التي جرى انتخابها في مارس 2020 للقيام بمشروعات كبيرة في سبيل توفير السلع والخدمات، وكانت آخر محاولة لرفع التجميد في 15 يوليو الماضي، عندما رفض مجلس الأمن رفع قرار التجميد، الذي تقدمت به حكومة الدبيبة.

فما هي المسارات التي يمكن أن يقوم بها الرئيس والبرلمان الليبي القادمين، في سبيل استعادة تلك المليارات؟ وهل من عقبات جديدة، يمكن أن تحول دون استرجاع تلك الأموال، التي باتت شرطاً من أجل الإسراع بمشاريع إعادة الإعمار؟

جدل حول الفوائد

شهد العام الماضي جدلاً طويلاً حول معنى ومضمون القرار 1973، بعد أن كشفت الحكومة الليبية أن 5 دول في الاتحاد الأوروبي؛ هي بلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا ولوكسمبورج، أفرجت عن فوائد الأموال المجمدة، بحسب صحيفة بوليتيكو، وأن دولة مثل بلجيكا وزعت في فبراير 2017 عشرات الملايين من اليورو، من فوائد الأموال الليبية المجمدة، وإيرادات السندات إلى المستفيدين، الذين لا تعرفهم الحكومة الليبية.

لكن بلجيكا قالت أيضاً إنها سلمت فوائد لأموال مجمدة في بنوكها في الفترة من 2012 حتى 2017 إلى المؤسسة الليبية للاستثمار، التي أقرت بأنها تسلمت هذه الملايين بطريقة قانونية، وأنها أعادت إيداعها واستثمارها في بنوك أخرى خاصة، في المملكة المتحدة ولوكسمبورج.

وأدى هذا الجدل إلى أن تفتح السلطات البلجيكية تحقيقاً موسعاً في كيفية صرف تلك الملايين، دون قرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفق ما قاله البرلماني الليبي عبدالسلام نصية، وهو ما زاد من القلق بأن هذه الفوائد التي لم تصل للحكومة، يمكن التلاعب بها من جانب قادة المليشيات والمرتزقة، أصحاب النفوذ على المؤسسات المالية الليبية.

وفي النهاية تم إحالة الأمر إلى ديوان المحاسبة للمراجعة والتدقيق، وهي قضية نفت لجنة العقوبات الأممية التابعة للأمم المتحدة أي علم بها، كما أن الاتحاد الأوروبي أعاد تأكيده الالتزام بالقرار 1973 الخاص بتجميد كل الأموال الليبية، وفق ما قالته الناطقة باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي في بروكسل مايا كوسيانتس.

نوعان من الأموال

يفرق الساسة الليبيون بين نوعين من الأموال التي يجب استعادتها من الخارج وهي الأموال المهربة أو المسروقة، والأموال المجمدة؛ فالأموال المهربة أكثر بكثير من الأموال المجمدة، ويصعب ملاحقتها، وتحتاج استعادتها إلى سنوات وسنوات، بينما الأسهل ما يتعلق بالأموال المجمدة التي كانت في شكل ودائع باسم الدولة الليبية قبل عام 2011، والتي كان يمثلها أذرع كثيرة أبرزها البنك المركزي الليبي، والمؤسسة الليبية للاستثمار، وبعد العشرات من جلسات النقاش في البرلمان الليبي، واللجان المتخصصة بات جزء من تلك الأموال معروفاً في البنوك والشركات التي تديره، وتصل قيمته إلى نحو 67 مليار دولار، حسب ما قال رئيس الوزراء الليبي السابق فايز السراج.

تحديات عديدة

ويعد انتخاب سلطة تمثل كل الليبيين، ومعترف بها دولياً، هي الخطوة الأولى والأهم في سبيل استعادة الأموال الليبية في الخارج، ويتعين على الرئيس الجديد والحكومة التي ستنبثق من البرلمان القادم، أن تتقدم بطلب إلى مجلس الأمن، لوقف العمل بقراري 1970 و1973، حيث تضمن القرار 1973 فقرات إضافية للقرار 1970، وعندها يمكن أن تبدأ في مفاوضات ثنائية بين الحكومة الليبية الجديدة والدول التي جمدت الأموال الليبية من أجل رفع التجميد واستعادة الأموال.

لكن هذا الأمر ليس سهلاً لأنه يحتاج بخلاف إجراء الانتخابات، أن يعترف الجميع بنتائج الانتخابات الليبية القادمة، وفي حال عدم اعتراف فصيل ما بنتائج تلك الانتخابات، سوف يرفض مجلس الأمن تجميد القرار 1973.

ففي يوليو الماضي رفض مجلس الأمن منح تلك الأموال لحكومة الدبيبة، رغم أنها حكومة جاءت بإشراف الأمم المتحدة ووافق عليها البرلمان، لكن بسبب المناكفات السياسية الداخلية مع أطراف ومكونات أخرى، لم ير فيها مجلس الأمن الحكومة التي تمثل الجميع ويمكن أن تتسلم تلك الأموال الضخمة.

وهذا ليس التحدي الوحيد، فهناك دول تقول إنها سوف تستقطع أجزاء من تلك الأموال على غرار الحكومة البريطانية التي تسعى لتجنيب جزء من تلك الأموال لتعويض أهالي 300 شخص كانوا بين الضحايا والمصابين للجيش الجمهوري الأيرلندي الذي تقول بريطانيا إنه كان يتلقى الدعم من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وإن هؤلاء الضحايا سقطوا بأسلحة ليبية، وفق صحيفة «الصن» البريطانية.

وإذا كانت استعادة الأموال المجمدة والمهربة تحدياً كبيراً أمام السلطات الجديدة، بعد انتخابات 24 ديسمبر القادم في ليبيا، إلا أن نجاح الانتخابات واختيار رئيس وبرلمان جديدين، سيكون الفرصة الأفضل لاستعادة المليارات للشعب الليبي، وبدء مرحلة جديدة من الرخاء والازدهار.