الأربعاء - 01 مايو 2024
الأربعاء - 01 مايو 2024

حوار | عبدالمنعم سعيد: المنطقة تشهد جولات «استكشاف نوايا تكتيكية»

حوار | عبدالمنعم سعيد: المنطقة تشهد جولات «استكشاف نوايا تكتيكية»

أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالمنعم سعيد

  • «الاتفاق الإبراهيمي» أهم خطوة بالمنطقة منذ زيارة السادات للقدس
  • الخروج الأمريكي من المنطقة نسبي والاعتماد على واشنطن «مكلف للغاية»
  • الربيع العربي أحدث هزة كبيرة بالمنطقة أدت لـ«طمع القوى الإقليمية»
  • المنطقة العربية بدأت تنظر للمستقبل وليس للماضي فقط
  • الإخوان لديهم استراتيجيتان واحدة لحالة الضعف والأخرى لـ«التمكين»
  • مفاوضات فيينا «طلعات استكشافية» لن تفضي إلى اتفاق

قال رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقاً، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبدالمنعم سعيد، إن هناك اتصالات دبلوماسية، ولقاءات لتكوين تحالفات وتشكيلات سياسية في المنطقة خلال الفترة الحالية، في ظل رغبة كل دولة في الحفاظ على مصالحها الداخلية.

وأضاف سعيد، في حواره مع «الرؤية»، ضمن سلسلة حوارات الإجابة على «الشرق الأوسط إلى أين؟» أن التحركات الأخيرة لعدد من الدول في المنطقة في مقدمتها الدول الخليجية والعربية، ناجمة عن تقلص الدور الأمريكي في الإقليم، وتراجعه نسبياً، ما دفع الدول للبحث بنفسها عن مصادر قوة وتوازن.

وشدد على أن كل ما يحدث الآن في الإقليم من تحركات وزيارات «استكشاف نوايا تكتيكية»، ربما تكون غير معروفة، وهذا لا تستغرق معرفته زيارة واحدة، وإنما عشرات الزيارات والاتصالات.

كيف تقرأ الأوضاع في المنطقة حالياً؟

هناك تغيير جديد حادث بالفعل في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني أن مشاكلنا قد حلت، هناك اتجاهان متوازيان الآن؛ الأول يعرف ببقايا الربيع العربي، فالربيع العربي أحدث هزة كبيرة في المنطقة نجم عنها طمع شديد من القوى الإقليمية، تأتي هذه التحركات في وقت انشغل فيه الإقليم بأزمات داخلية وصلت إلى حد الحرب الأهلية، كما هو الحال في ليبيا، واليمن وسوريا، هذه الاتجاهات مرتبطة بأنه رغم أن الإرهاب والإخوان مُنوا بهزائم على جبهات كثيرة، لكن داعش ما زالت تتربص بالعراق، وقوى وصولية متعددة ما زالت تتربص بسوريا، وبعض الدول التي واجهت الربيع العربي، إذا كان ليس لديها معركة إرهابية عنيفة، فهي في حرب نفسية وإعلامية شديدة مثلما الحال في مصر والإمارات والسعودية، فالإخوان لديهم استراتيجيتان، واحدة في حالة الضعف، وأخرى في حالة التمكين، وهم الآن في استراتيجية الضعف في بعض الدول.

ما هو الاتجاه الثاني المسيطر حالياً؟

الاتجاه الثاني متمثل في عدة تشكيلات أو اتفاقيات تجرى الفترة الحالية، فالخطوة التي اتخذتها مصر بإنشاء منتدى شرق البحر المتوسط، القائم على الغاز والأنابيب وتسييل الغاز، وتصديره وتصنيعه، هذا في حد ذاته اتجاه تعاوني كبير، فإسرائيل وفلسطين كلتاهما عضوان في هذه المنظمة، كلاهما تتساويان، وهناك الاتفاق الإبراهيمي بين الإمارات وإسرائيل، وهو أهم خطوة حدثت منذ زيارة الرئيس السادات للقدس، وكل هذا قائم على اتجاهات إصلاحية عميقة تحدث الآن في المنطقة، فما يحدث الآن في مصر والسعودية والإمارات، وحتى في قطر والبحرين والكويت وتونس والأردن والمغرب، يفوق أي محاولات إصلاحية وتحديثية من قبل، المنطقة بدأت تنظر للمستقبل وليس للماضي فقط، وأدوات الحماية الاجتماعية ليست متمثلة في رعاية الفقراء، وإنما قائمة على إقامة نوع من الحماية الاجتماعية للأقل حظاً.

ماذا يهدف هذا التيار الذي يمثل الاتجاه الثاني؟

الأسباب كثيرة لهذا التيار الحديث في توجهه، القائم على التعاون والإصلاح والتهدئة، والسعي الدبلوماسي تجاه تركيا وإيران وإسرائيل، لكن الدافع الأساسي له هو حماية الإصلاح الداخلي.

الجانب الثاني لهذا الاتجاه الجديد يعود إلى أن الأمريكان خرجوا من المنطقة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد الكلي عليهم، خاصة أن إدارة بايدن أو جزءاً منها على الأقل، أو أحد التيارات الأساسية الذي يعتمد عليها في أمريكا، توجه نقداً شديداً للنظم العربية، وهناك دفع للإدارة الأمريكية بمحاسبة الدول العربية بزعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذه معركة كبيرة، وليس النجاح العربي فيها بالشكل المطلوب إعلامياً، فالصين على سبيل المثال تدافع عن نفسها بطرق أكثر كفاءة، ومؤخراً بدأت تدخل المعركة الفكرية، وتقول للأمريكان إنها أفضل، وإنها أنجزت في مكافحة الجائحة أسرع منها، وإنها حققت نجاحاً اقتصادياً كبيراً، بينما الدول العربية تعلي صوتها فقط.

هل انسحبت أمريكا من المنطقة؟

الخروج الأمريكي من المنطقة نسبي، فالأمريكان موجودون في الشرق الأوسط، والحديث عن خروجهم به قدر كبير من المبالغة، لكن على الأقل القدر الذي انسحبوا به، والمنهج الذي يسيرون وفقاً له، يجعل العرب متحفظين، وعليهم الاعتماد على أنفسهم، ومن الممكن إذا تكوَّن تحالف عربي جاد أن يكون أقوى وأقل كلفة بكثير، لأن الاعتماد على أمريكا مكلف للغاية، وليس مضموناً، وهناك ضرورة لقيام تحالف عربي جاد، قائم على الاعتماد المتبادل، وربما بدأت حالياً جذور له، فاليوم مصر والسعودية سيجعلون خليج العقبة بحيرة عربية، السعودية تنمي مدن نيوم والعلا في الشمال الغربي، ومصر تعمر سيناء، ملايين من العرب سيكونون على شرق وغرب خليج العقبة، وهناك عمل كبير من الممكن أن يتم ويزيد الدول العربية قوة، أفضل من الذهاب والدفع بالمليارات لقوى خارجية، نحتاج فكراً استراتيجياً جديداً في المنطقة العربية قائم على المشاركة والإصلاح.

كيف تقيّم تحركات الدول العربية وزياراتها الخارجية مؤخراً؟

كل ما يحدث الآن في الشرق الأوسط والمنطقة العربية من تحركات وزيارات هو جس نبض، واستكشاف نوايا تكتيكية ربما تكون غير معروفة، وهذا لا تستغرق معرفته زيارة واحدة، وإنما عشرات الزيارات والاتصالات، وأنا لا أثق في وجود رؤية استراتيجية تتحرك وفقاً لها الدول العربية، ومن المبكر الحديث عن فكرة التحالفات، فكل دولة تتصرف الآن بناء على مصالحها المباشرة، دون خارطة طريق واضحة.

ما المتوقع بشأن المفاوضات مع إيران؟

ليس من المتوقع أن تصل مفاوضات فيينا إلى اتفاق، حيث لا تسير بحسب المرجو منها، وما يحدث الآن لا يزيد على كونه طلعات استكشافية، ورسائل يمكن بعضها للداخل، لكن التخوفات الحقيقية ربما تكون من احتمالية وقوع مواجهة عسكرية مع إيران إذا استمرت في نهجها.

بمناسبة الحديث عن إيران.. ما هي سيناريوهات الحرب والنزاع في اليمن؟

أتوقع مزيداً من تصاعد العمليات العسكرية داخل اليمن، إلا إذا حدث اتفاق بشأن السلاح النووي الإيراني بين أمريكا وأوروبا من جهة وإيران، لأن الموضوع يحتاج صفقة بين القوى الكبرى بين الولايات المتحدة وإيران من جهة، وبين السعودية وإيران من جهة أخرى، وأعتقد أن العراق يسعى لذلك، وحدثت أكثر من جلسة تفاوض بين السعودية وإيران، إلا أنهم لم يصلوا لاتفاق بعد على الأرض، إذا نجحت هذه الجهود الدبلوماسية، من الممكن أن نرى وضعاً آخر في اليمن.

ماذا عن ليبيا.. وهل ستجرى الانتخابات خلال العام الحالي؟

تأجيل الانتخابات التي كان مقرراً عقدها 24 ديسمبر الماضي، كان قراراً بالغ السوء، وربما يسبب آلاماً كثيرة لليبيين، لأنه يؤدي إلى نزع الثقة عن أشياء كثيرة منها الثقة في المفوضية العليا للانتخابات، وإعادة تشكيلها من جديد سيكون إشكالية، للأسف الشديد كل شيء في العملية السياسية أصبح موضع شك، والمحاولات الإقليمية والدولية قد تكون أمامها فرصة، لكن بالطبع هناك تدهور في الأوضاع، وغير متوقع ماذا ستفعل الأطراف الأخرى في الداخل الليبي إزاء هذا الموقف الجديد، وإجراء الانتخابات خلال العام الجاري لم يعد واضحاً إتمامه من عدمه، وإذا لم تتم سيكون هناك صراع عسكري، فالمرتزقة والإخوان ما زالوا موجودين، ولا يريدون العملية الانتخابية، وليس لهم مصلحة في إجرائها، وهم الذين دفعوا بشدة لعدم إجراء الانتخابات في موعدها.

هل في اعتقادك أن القمة العربية المقبلة تلبي تطلعات اللحظة الحرجة التي تمر بها المنطقة؟

أرى التوجه العام، لاستيعاب سوريا مرة أخرى في النظام العربي، ولدينا مؤشرات، منها موضوع الشام الجديد في مصر والأردن والعراق فكلهم يعيدون العلاقات مع سوريا، الإمارات والبحرين تعيدان العلاقات مع سوريا، وهناك إشارات إيجابية من السعودية، أعتقد أن سوريا بعد 10 سنوات من العزلة، تحتاج للعودة للحضن العربي، فالعزلة لسوريا من قبل النظام العربي سيئة للغاية، وأعتقد أن القمة العربية ستكون مناسبة لاتخاذ قرار بشأنها، سواء عودتها بدون شروط، أو أن تكون العودة رهناً بمفاوضات داخلية مع المعارضة، ووساطة للجامعة العربية مع المعارضة، أعتقد أيضاً أن هناك مناخاً عاماً للتهدئة في المنطقة بالكامل.

ماذا تتوقع لمستقبل صراع القوى الكبرى على المنطقة؟

الخلافات لها علاقة بالنفوذ السياسي الذي تحاول الصين إقامته في المنطقة، الأمريكان لديهم قضية السلاح النووي الإيراني قضية أساسية، النزاعات في رأيي ليست كبيرة بخصوص الشرق الأوسط، فكلهم لديهم مصالح مشتركة، فهم ضد استمرار الإرهاب، ويريدون توسيع نفوذهم الاقتصادي وتحقيق الاستقرار، لأن عدم الاستقرار معناه هجرة من المنطقة إلى أوروبا وهذا يزعزع الاستقرار في أوروبا، فالصراع بين القوى الثلاث سياسي في الأساس، لأن أمريكا تقدم نفسها كنموذج ديمقراطي ليبرالي، بينما الصين بلد سلطوي وكذلك روسيا، فهناك جزء أيديولوجي، ومتعلق بالنفوذ السياسي، لكن هناك مصالح تجعلهم أكثر تعاوناً عن ما يفرقهم.

هل يمكن تطور النزاع بين أمريكا والصين حول تايوان إلى مواجهة عسكرية؟

لا أعتقد أن يصل النزاع لمستوى عسكري، وهم الآن في شبه صفقة لبقاء الأمور على ما كانت عليه، وهذا يتضمن أن أمريكا لا تزود تايوان بأسلحة متقدمة، وأن تضع تايوان نموها النووي عند حده الحالي، لأن تايوان لديها مثل حالة إيران في الشرق الأوسط لديها قدرات نووية متزايدة، وهذا لا تريده الصين، وأمريكا لا تريد أن يؤدي هذا لخلاف مع الصين، فالخلاف الأساسي لأمريكا مع الصين حول حرية المرور في بحر الصين الجنوبي، وهذا مهم لأمريكا لحماية اليابان وكوريا الجنوبية، والرقابة أيضاً على كوريا الشمالية، هناك خلاف حول الجزر الصناعية التي أقامتها الصين في بحر الصين الجنوبي باعتبارها تعترض حرية الملاحة في بحر دولي، والصين تحاول تدريجياً تحويله لبحر إقليمي، وهذه منطقة الاحتكاك الرئيسية بين الصين وأمريكا.

إذن كيف سيكون شكل النزاع؟

الصراع الاقتصادي عند لحظة معينة سيزيد.

أخيراً ماذا عن تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية؟

لن يكون صراعاً عسكرياً كبيراً، وإنما سيكون هناك تفاوض صعب، لأن به أطرافاً متعددة متداخلة فيه، حيث تدخل أوروبا كلها في هذا التفاوض، وهناك أقلية روسية كبيرة في منطقة شرق أوكرانيا، وهذه لديها ميول انفصالية. روسيا لا بد أن تدخل في عملية تهدئة لهذه الميول الانفصالية، حتى يتسنى استمرار أوكرانيا في منطقة عزل وحياد بين روسيا وأوروبا، مع إمكانية أن يكون لها روابط مع الاتحاد الأوروبي، لكن لن تتحالف مع الحلف الأطلنطي، فإلى أن تتفق أمريكا وأوروبا مع روسيا بشأن أوكرانيا، سنشهد تصريحات متبادلة متصاعدة، وتصاعداً في بعض الأوراق، فالروس الموجودون في شرق أوكرانيا والذين يتبعون روسيا، من الممكن أن يسببوا بعض التصعيدات المسلحة والعسكرية، في ظل بدء المفاوضات الجارية حالياً.