الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

تقدير موقف.. وقف جرائم الحوثي في تغيير الهوية اليمنية

تقدير موقف.. وقف جرائم الحوثي في تغيير الهوية اليمنية

جماعة الحوثي لا تعرف إلا الإرهاب ويرفضون الحلول السلمية- صورة من (epa)

هناك حزمة من الأسباب دفعت جماعة الحوثي الإرهابية، طوال السنوات السبع الماضية، لرفض كل دعوات وقف الحرب، وإحلال السلام في اليمن، وكان آخرها رفضه لقرار وقف إطلاق النار من جانب التحالف العربي في أبريل 2020.

ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها أن مسيرة وتركيبة وبنية الحوثيين، تبدأ وتنتهي عند كونهم مليشيات، لا تعرف إلا لغة البندقية والرصاص، ومشاهد الهدم والدم، فلم يكن الحوثي في يوم من الأيام حزباً سياسياً أو جماعة نضالية، بالإضافة إلى الدور الوظيفي الذي يقوم به الحوثي، ضمن أجندات ومحاور، تنتظر نتائج في ملفات إقليمية عالقة.

هدف جوهري

لكن هناك هدفاً جوهرياً لرفض الحوثي، لكل دعوات حل الصراع، وسعيه بكل ما يملك من أجل إطالة زمن وأمد الحرب في اليمن، وهو هدف تعمل عليه المليشيا الانقلابية منذ أن كانت في معقلها في صعدة قبل سبتمبر 2014، وهو تغيير هوية اليمنيين، وإدخال مناهج ومذاهب وتوجهات، كانت طوال التاريخ بعيدة عن طبيعة وميول الشعب اليمني.

وفي أحدث تقرير للجنة الخبراء حول اليمن، التابعة للأمم المتحدة، الصادر يوم السبت الماضي، كان التحذير واضحاً من سعي الحوثي لخطف الشعب اليمني وتغيير هويته، وخلق جيل إرهابي جديد، كاره لكل الثوابت التي عاش عليها الشعب اليمني، لقرون طويلة، عن طريق الالتحاق بأيديولوجيات ومخططات مذهبية، تؤسس لخلاف وشقاق يمني طويل المدى، بما ينطوي عليه من خلق تهديد طويل المدى، على دول الجوار.

فما هي أدوات الحوثي لتغيير الهوية اليمنية؟ وكيف يمكن التصدي لهذه الجريمة وإفشال من يقف وراءها؟

أجيال من التطرف

أول قرار اتخذه الحوثي بعد السيطرة على العاصمة صنعاء، هو تعيين شقيق زعيم المليشيا، يحيى بدر الدين الحوثي وزيراً للتعليم، ومعروف عن يحيى الحوثي أنه شديد التطرف للأفكار والأيديولوجيا المذهبية والطائفية، لذلك قام بتغيير كامل للمناهج الدراسية، بحيث أصبحت بمثابة مناهج تعبئة طائفية، وحشد وتجنيد للطلاب لصالح أجندة ومذهب الحوثي، ضد باقي مكونات الشعب اليمني وتاريخه.

فعلى سبيل المثال، حذفت المليشيا الحوثيية، الفصول التي تتحدث عن ثورة 26 سبتمبر 1962، والتي أطاحت بحكم الإمام الذي ينتمي لسلالته الحوثي، وتغيير اسم الخليج العربي.

كما يلزم الحوثي الطلاب في طابور الصباح بترديد ما يسمى بـ«الصرخة»، وهي شعار الحوثي، والأكثر من كل ذلك أن الإذاعة المدرسية في جميع المدارس التي يسيطر عليها الحوثي، تقوم يومياً بترديد أشعار ومقولات تدعو للقتال ضد دول الجوار، وباقي مكونات الشعب اليمني، عبر تلقين الطلاب بمعلومات واتهامات باطلة، تدفعهم للكراهية، ومن ثم الاستعداد للانخراط في الجهد المليشياوي الحوثي، وتعليم اللغة الفارسية في الجامعات اليمنية بدلاً من اللغة العربية، وتحويل الهدف الرئيسي للمدارس للعمل بمثابة حوزات دينية وطائفية، وليس لتلقي أحدث ما وصل إليه العلم.

حوثنة اليمن

كل هذا يهدد بخلق جيل جديد من المتطرفين على أساس المذهب، وهو الأمر الذي حذر منه وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني بقوله في سلسلة تغريدات على حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، إن «مليشيا الحوثي تواصل مخطط (حوثنة اليمن) عقب رفض اليمنيين لمشروعها الطائفي، وفشلها في السيطرة على البلد وتركيع الناس بالقوة والسلاح والإرهاب.. وتحاول مليشيات الحوثي إحداث تغييرات ديموغرافية في التركيبة السكانية والسياسية والاجتماعية اليمنية، لفرض مشروعها الانقلابي.. وهذا المخطط يقوم على كسب الوقت لاستكمال بناء جيش عقائدي».

كما باتت المدارس ساحة للاحتفال بمناسبات طائفية لم يحتفل بها الشعب اليمني من قبل، وهي احتفالات الهدف منها تغيير الوجدان اليمني، وخلق هوية دينية تعلو فوق الهوية الوطنية، من خلال الادعاء بأن حربهم على الآخرين، هي حرب دينية، وحرب مقدسة، لا حرب سياسية، وفق كثير من وسائل الإعلام اليمنية.

حرق الكتب

وبهدف القضاء على المرجعية الوطنية والدينية المعتدلة للشعب اليمني، قام الحوثي بحرق الكتب، والمكتبات التي تحتوي على أمهات الكتب والمراجع، التي تحفظ الهوية والذاكرة اليمنية، تمهيداً لتزوير هوية جديدة، بعد أن قام الحوثي بحرق أكبر مكتبة في محافظة حجة، شمال غرب البلاد، في 23 ديسمبر 2020، وحرق جميع المكتبات التراثية في مديرية بني بهلول في صنعاء في فبراير 2019.

وتكررت هذه الجريمة في أكثر من محافظة، حيث يقوم الحوثي بحرق كامل للكتب والمكتبات والمجلدات الثمينة والمجلدات، في جريمة تشبه جرائم المغول عندما حرقوا المكتبات بعد احتلالهم بغداد عام 1258، وهي جرائم وصفتها الحكومة اليمنية بأنها تستهدف تجريف الهوية والموروث الثقافي لليمن، من خلال تعميم الأفكار الطائفية الدخيلة على المجتمع اليمني، بهدف تقسيم النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي.

أحزمة صنعاء الحوثية

وبعد فشل الحوثي في تركيع الشعب اليمني بالقهر والسلاح، وإدراكاً منه أن محافظات الشمال هي مركز الثقل السكاني، لذلك يسعى لإحلال وتبديل للسكان، حتى يضمن بقاءه واستمراره.

ولهذا وضع الحوثي خطة منذ احتلاله صنعاء في 21 سبتمبر 2014، تقوم على محورين رئيسيين؛ الأول هو التخلص من كل المعارضين وقتلهم أو سجنهم وطردهم في أحسن الأحوال، بما تنطوي عليه هذه الخطوة من السيطرة على الممتلكات والأراضي ودفع الآخرين للخوف والقبول بالأجندة الحوثية.

أما المحور الثاني فهو إحلال العائلات والقبائل الموالية للحوثي، والتي تنتمي إلى مذهبه ذاته، في محافظات صعدة وعمران والجوف وأب، ونقلهم إلى صنعاء، وخاصة عند مداخل صنعاء الأربعة، وبهذا يخلق الحوثي حزاماً فكرياً وأيديولوجياً وسياسياً، وبالتالي حزاماً أمنياً، لحمايته وبقاء مشروعه، وهو ما بات يعرف عند اليمنيين بـ«الأحزمة الطائفية الحوثية»، والتي تعتمد على خلق تجمعات سكانية جديدة، لإحداث تغيير كامل في البنية الديموغرافية والسكانية للمحافظات اليمنية، التي يسيطر عليها الحوثي.

ووفق مركز دراسات المرجع، فإن هذا المخطط الحوثي، بدأ منذ نحو عقدين من الزمان، من خلال إرسال العائلات التي تتبنى الفكر الحوثي إلى صنعاء، عبر تمويلات خارجية، بهدف تكريس الوجود الحوثي في عاصمة البلاد، وأن هؤلاء الذين جرى إرسالهم قبل احتلال صنعاء، يحتلون الآن مفاصل صناعة القرار في اليمن.

رؤية ثلاثية

وحتى يتم تحرير صنعاء والمحافظات كافة التي يحتلها الحوثي، يمكن الحفاظ على الهوية الوطنية اليمنية من خلال 3 خطوات رئيسية:-

أولا: ضرورة أن تكون هناك مناهج دراسية موازية للمناهج الطائفية التي يفرضها الحوثي، وتستطيع الحكومة اليمنية بدعم من التحالف، أن توصل هذه المناهج إلى كل بيت يمني عبر مواقع على الإنترنت أو تدشين قناة تعليمية لا يستطيع الحوثي قرصنتها أو وقفها.

ثانياً: تأسيس صندوق من جانب الحكومة اليمنية، للوقوف أمام أي إغراءات لبيع المناطق المحيطة بصنعاء، ودعم القبائل اليمنية عند بوابات صنعاء الأربعة، لأن خطة الحوثي تقوم على الضغط على سكان حزام صنعاء، وإفقارهم ثم مطالبتهم بالرحيل، وإحلال أتباعه بدلاً منهم، وهذا الصندوق سيساعد في تثبيت القبائل ومختلف الشرائح السكانية التي يستهدفها الحوثي في أماكنها.

ثالثاً: وبإشراك هيئة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة «اليونسكو»، في برنامج الحفاظ على التراث اليمني، من الكتب والمخطوطات، التي لم يدمرها الحوثي بعد، وتحميل اليونسكو المسؤولية حال عدم إدراج هذه الكتب النادرة، ضمن التراث العالمي الذي يجب الحفاظ عليه وقت الحروب.