الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«صافر».. عنوان للتعنت الحوثي

«صافر».. عنوان للتعنت الحوثي

(رويترز)

لا تقتصر جرائم الحوثي بحق الشعب اليمني ودول الجوار على ما تسببه من اندلاع للحرب منذ 7 سنوات، بل يرتكب الحوثي جريمته الكبرى بحق البيئة والبحر الأحمر برفضه كل الحلول التي تقدمت بها الحكومة اليمنية والأمم المتحدة لنقل نحو مليون برميل من النفط في سفينة «صافر» المتهالكة إلى ناقلة أخرى، والتي قال بيان لمنسق الشؤون الإنسانية في اليمن، ديفيد غريسلي، يوم الأحد الماضي «إن خطر وقوع كارثة وشيكة أمر حقيقي للغاية»، فكل المؤشرات تقول إن هذه السفينة التي ترسو أمام شاطئ ميناء رأس عيسى، يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهو ما سوف يتسبب في كارثة بيئة وبقعة عملاقة من الزيت تهدد حياة اليمنيين وكل الدول التي تطل على ساحل البحر الأحمر.

ورغم موافقة الحكومة اليمنية أكثر من مرة على نقل المليون برميل الى ناقلة أخرى، إلا أن الحوثي رفض كل النداءات الدولية والأممية لإنهاء هذه الأزمة، ورد على موافقة الحكومة اليمنية على مقترحات ديفيد غريسلي، بتوجيه سيل من التهم الجديدة إلى الأمم المتحدة، وهو ما يؤكد أن الحوثي يواصل ابتزاز المجتمع الدولي عبر رفض كل المقترحات التي تتعلق بالسفينة صافر، فكيف تعد هذه القضية مثالاً وعنواناً للتعنت الحوثي؟ وكيف عرقلت الأجندة الحوثية كل خطوات ومقترحات الحلول السياسية في اليمن منذ ما قبل 21 سبتمبر 2014 عندما احتل العاصمة صنعاء، وحتى هجومه الأخير على مقترحات الأمم المتحدة بشأن صافر؟

سيناريو من 2014

تعنت الحوثي في قضية إنسانية وبيئية مثل إصراره منذ سنوات على عدم إجراء المعاينة الفنية وإصلاح العيوب وتجديد السفينة صافر، خير شاهد على ما يرتكبه الحوثي من جرائم بحق البشر والحجر، لأن السفينة التي ترسو في هذا المكان منذ 30 عاماً، رفض الحوثي إجراء صيانة لها منذ عام 2014، الأمر الذي أدى إلى تدهور هيكلها ومعداتها ومنظومات تشغيلها، بالإضافة إلى أن السفينة عرضة للانفجار في أي وقت، وهذا يحول سفينة صافر التي يبلغ طولها 376 متراً، والتي تحمل مليون برميل من النفط إلى «قنبلة موقوتة» حال تسرب المياه بكميات كبيرة إلى داخلها، وهو ما يعني كارثة لبيئة البحر الأحمر الذي يعتمد عليه نحو 30 مليون شخص، منهم مليون و600 ألف يمني.

رفض المرجعيات الثلاث

التعنت في حل أزمة السفينة صافر امتداد لتعنت الحوثي ورفضه لجميع الحلول السياسية والدبلوماسية التي اقترحتها دول عربية أو غربية على مدى تاريخ الأزمة، فالحوثي رفض مرجعيات الحل الثلاث وهي، القرار 2216 الصادر بالإجماع من مجلس الأمن عام 2015 وتحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي كان الالتزام به وتطبيق بنوده كفيل بنزع فتيل الأزمة، حيث رفض الحوثي الالتزام بالبند الداعي لإطلاق عملية سياسية بعد تسليم الحوثيين للأسلحة الثقيلة التي استولوا عليها من مخازن الدولة اليمنية، كما رفض الحوثي المبادرة الخليجية التي تقدم بها مجلس التعاون الخليجي في 3 أبريل عام 2011 لحل الأزمة اليمنية، والتي توافقت عليها غالبية القوى السياسية اليمنية، ونجحت وقتها في تنظيم الانتخابات الرئاسية في فبراير 2012، كما رفض الحوثي تطبيق «مخرجات الحوار الوطني» التي استمرت طوال عامي 2013 و2014، وهي النتائج التي شارك الحوثي بالفعل في صياغتها والنقاش حولها لكنه عاد وانقلب عليها.

مفاوضات للمفاوضات

طريقة تعاطي الحوثي مع مفاوضات السفينة صافر، والدخول في مفاوضات من أجل المفاوضات هي المنهج ذاته الذي اعتمده الحوثي في إطالة الحرب في اليمن خلال كل السنوات الماضية منذ المفاوضات غير المباشرة بين الحكومة اليمنية والحوثي في جنيف في 16 يونيو 2015، والتي كانت تهدف لتثبيت هدنة إنسانية، لكن الحوثي لم يلتزم بها وفشلت المفاوضات بالكامل، و استضافت الكويت بداية منذ أبريل 2016 مفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية انتهت دون نتيجة، لأن الحوثي رفض الالتزام بأي مرجعية للحل السياسي، ورفض كل بنود القرار 2216 الذي ينص على مغادرة المليشيات المدن الكبرى و إفساح المجال للحل السياسي، وأعلن الحوثي وقتها عن تشكيل ما أسماه «المجلس السياسي لإدارة البلاد» وهو ما يعني أن الحوثي لم تكن لديه أي نية منذ عام 2014 في الحل، و أراد السيطرة الكاملة على مقدرات البلاد منذ اليوم الأول للانقلاب.

إفشال اتفاق ستوكهولم

منهج الحوثي في تفريغ المفاوضات من مضمونها يتجدد في تعامل المليشيات مع خطورة تسرب المياه إلى داخل السفينة صافر واحتمال انفجارها، هي الطريقة ذاتها التي تعامل بها مع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2019 الذي كان يسعى لإدارة أممية لموانئ الحديدة الثلاثة رأس عيسى والصليف والحديدة وإرسال بعثة مراقبين أممية الى الحديدة؛ بهدف تخفيف الأزمة عن الشعب اليمني، عن طريق إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية والإغاثية دون تعطيل الحوثي لها.

التناقض مع الإنسانية

عدم مراعاة الأبعاد الإنسانية والبيئية من جانب الحوثي في سفينة صافر امتداد واضح لموقف المليشيات أثناء جائحة كورونا، فرغم إسكات «أصوات البنادق» في جميع أنحاء العالم نتيجة للجائحة، إلا أن عامي 2020 و 2021 وهي أعوام الجائحة شهدت تصعيداً غير مسبوق من جانب الحوثي وصلت لذروتها باستهداف دول الجوار بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، ولهذا ليس غريباً أن يتهم المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليدر كينج، الحوثيين بأنهم السبب الأول في استمرار الحرب ومعاناة الشعب اليمني عندما قال «نرى أن هجمات الحوثيين خلال السنوات الماضية كانت هي العقبة الرئيسية لجهود السلام.. هجمات الحوثيين ستأتي فقط بالمزيد من المعاناة»، وفق ما جاء في الحلقة النقاشية التي نظمها معهد الولايات المتحدة للسلام في 8 فبراير الجاري.