الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

حلف الناتو رهن قوة عسكرية «أوروبية- أوروبية»

حلف الناتو رهن قوة عسكرية «أوروبية- أوروبية»

جندي يحمل علم الناتو خلال زيارة وزيرة الدفاع الألمانية في قاعدة روكلا العسكرية ليتوانيا. رويترز

آلان صفا: انسحاب أوروبا من الحلف يضعها صوب العقوبات الأمريكية

عبدالمسيح الشامي: الناتو أصبح ساحة ابتزاز وصراع

زاهي علاوي: أوروبا تسعى لإيجاد سيادة عسكرية عبر تشكيل قوة جديدة

يواجه حلف الناتو أزمة وجودية، خاصة بعد فشل الشراكات في التدخل العسكري في دول عدة، بالإضافة إلى اختلاف مصالح شركاء الحلف، وذهاب الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سياستها على الأعضاء، الأمر الذي دفع بالمناقشات السياسية الأوروبية خلف الأبواب المغلقة إلى تكوين قوة عسكرية أوروبية- أوروبية.

وأكد خبراء لـ«الرؤية» أن الناتو أصبح منطقة صراعات، يخدم مصالح أطراف على حساب أخرى، غير أن الإبقاء على عداوة بين روسيا وأوروبا يفكك القرار السياسي للقارة، بما يمنع اتخاذ قرار خلال المدى القريب بمغادرة الحلف، الأمر الذي قد يتغير حال تحسن العلاقات مستقبلاً بين القوتين.

القوة الأمريكية

قال أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس، رئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية، دكتور آلان صفا، إن المشكلة الرئيسية لحلف الناتو تكمن في أن القوة الأمريكية تفوق الأوروبية، الأمر الذي ينعكس على قرارات الحلف الجماعية التي غالباً ما تخدم المصلحة الأمريكية، مشيراً إلى أن كل بلد في العالم لديه أولوية أمنية، وأن وجود تحالف بين عدة بلدان يؤدي إلى اختلاف مصالح بعضها عن المصالح الجماعية، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية تصنع من روسيا عدواً للدول الأوروبية بمرور الوقت، لا سيما مع تطورات الأزمة الأوكرانية الأخيرة، مؤكداً أن الدول الأوروبية لا تستطيع مواجهة هذا العدو، ما يضطرها للبقاء داخل حلف الناتو من أجل حماية نفسها بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. وأوضح أن إيجاد تفاهم مشترك مستقبلاً بين أوروبا وروسيا، وتخطي العداوات التاريخية يشجع أوروبا على الانسحاب من حلف الناتو، وأن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقي على الصراع بينهم، حتى تضمن استمرارها في الحلف، ولا تفقد السيطرة على أوروبا.

اختلاف الأولويات

وأشار صفا إلى أن البلدان الأوروبية تختلف أولوياتها، فعلى سبيل المثال أولويات فرنسا، ألمانيا، أسبانيا، والبرتغال، تختلف عن دول بولندا، رومانيا، وبلغاريا القريبة من روسيا، لا سيما أن القرب الجغرافي يدفعهم للرغبة في البقاء ضمن حلف الناتو، لحماية أنفسهم مما يرونه عدو قريب من الحدود، عكس البلدان البعيدة جغرافياً عن روسيا، التي ترى أن فرص التهديد الروسي ضئيلة للغاية، لذا يروا ضرورة بناء حلف مختلف عن الناتو، مشيراً إلى أن اختلاف أولويات الدول الأوروبية يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالإبقاء على حلف الناتو على المدى الطويل، لافتاً إلى أن التفكك السياسي بين دول أوروبا من أكبر المشاكل التي تواجه القارة، إذ رغم الوحدة الاقتصادية، المالية، والتجارية، ليس لديهم وحدة سياسية ودبلوماسية، الأمر الذي يجعل من دول منطقة اليورو قوة هشة، ليس باستطاعتها منافسة المصالح الأمريكية أو الخروج عنها، مشدداً على أن قرار الانسحاب من حلف الناتو من قبل أوروبا يجعل من الأخيرة عدوا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعتبره أمريكا انسحاباً من توازن القوى لديها، ما قد يعرضها لخطر العقوبات حال قررت الانسحاب من الحلف.

وأوضح أنه من الصعب خلال الظروف الراهنة لأوروبا أن تخطو خطوة إضافية نحو الاستقلال عن حلف الناتو، لافتاً إلى أن غالبية الدول الأوروبية ترغب في البقاء تحت المظلة الأمريكية لا سيما تجاه الضغط الروسي، لافتاً إلى أن ميزان القوى ما زال في صالح الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية العسكرية، لأنها تتعدى بشكل هائل قدرات كافة البلدان الأوروبية، مشيراً إلى أن الأمر ذاته ينطبق على السياسات الاقتصادية والدبلوماسية التي تظل الغلبة فيها للولايات المتحدة الأمريكية، ولا تستطيع أوروبا خلال الوقت الحالي الاستقلال عنها.

خلافات واضحة

في السياق ذاته أكد منسق العلاقات العربية الألمانية بالاتحاد الأوروبي، عبدالمسيح الشامي، أن الخلافات بين أعضاء حلف الناتو أصبحت واضحة بما لا يدع مجالا للشك، في ملفات مختلفة، منوهاً بأن ملف أفغانستان أظهر خلافاً كبيراً في وجهات النظر بين أعضاء الحلف، إذ حاولت الولايات المتحدة الأمريكية فرض سياستها وفق مصالحها، في وقت كان لدى أوروبا أولويات مختلفة، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من الأوروبيين يرى أن حلف الناتو لا يجسد التطلعات والمصالح الأوروبية، بل يخدم أجندات أمريكية أكثر ما يخدم غيرها من دول الحلف.

وأوضح الشامي أن الكواليس السياسية داخل الاتحاد الأوروبي أظهرت نقاشات عدة حول تشكيل قوة عسكرية أوروبية-أوروبية، لا سيما بعد الخلاف الكبير حول الأزمة الأوكرانية، والدفع الأمريكي الواضح لإجبار أوروبا على الدفاع عن أوكرانيا وفق أجندة تفرضها ضد روسيا، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع باتجاه صراع أوروبي - روسي، تخرج من خلاله مستفيدة في كافة الأحوال عبر إضعاف الطرفين وابتزازهم، بالإضافة إلي إشعال الصراع في المنطقة، وإضعاف منافسيها روسيا والصين، مشيراً إلى أن الناتو أصبح ساحة ابتزاز وصراع بين أعضاء الحلف، مع اختلاف وتعدد آراء أعضائه.

وأكد منسق العلاقات العربية الألمانية بالاتحاد الأوروبي أن قضية تمويل الحلف أصبحت تمثل إشكالية كبيرة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن الناتو لم يعد يجسد التطلعات والأهداف والمصالح الأوروبية، لافتاً إلي أن الناتو مُعرَّض للانهيار على المدى البعيد، خاصة أن اتباع الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة فرض الأمر الواقع يعمق الخلافات بينها وبين شركائها في الغرب، الأمر الذي يدفع أوروبا للخروج من الحلف، مشيراً إلى أن الحلف بات مهدد بالإفراط بشكل جدي خلال المرحلة الراهنة، أو في أقل تقدير لن يكون قادراً على القيام بمهام عسكرية في أي بلد.

الهيمنة الأمريكية

ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية، زاهي علاوي، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المتحكمة في سياسات حلف الناتو، بغض النظر عن إن كانت الأمانة العامة تذهب إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، منوهاً بأن القرار في نهاية المطاف يعود للولايات المتحدة الأمريكية، التي تحدد الخطط العسكرية ومصير حلف الناتو، بالإضافة إلى المواقع التي يمكن لقوات الحلف أن تتواجد بها بشكل أساسي.

وأشار إلى أن تفكير الاتحاد الأوروبي بإنشاء قوة عسكرية يهدف بالأساس إلى الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية، عبر إيجاد سيادة عسكرية لدول منطقة اليورو، مشيراً إلى احتمالية تغيير الأمور حتى انعقاد قمة مدريد المقرر خلال يونيو المقبل لتحديد مفهوم استراتيجي جديد، خاصة في ظل التطورات الأخيرة ما بين روسيا وأوكرانيا، و تداعيات الانسحاب من أفغانستان، بالإضافة إلى فشل الحلف في تنفيذ أي من سياساته التي وضعها منذ إنشائه في كثير من دول العالم.

وأكد على أنه رغم التأكيدات الأوروبية حول استمرار دول الاتحاد داخل حلف الناتو واستعدادها للتدخل العسكري في أي صراع محتمل يقوده الحلف، إلا أنها أكدت باستمرار أنها لا تقبل التحدث عن شؤون أوروبية دون إشراك الخارجية الأوروبية في القرارات المصيرية بما في ذلك قرارات حلف الناتو.

وأوضح أن أوروبا تحاول فرض نفسها على الأجندة السياسية والدبلوماسية الدولية، عبر استخدام الدبلوماسية من أجل لعب دور أكبر في السياسات الدولية، لا سيما وأن التحالف الروسي الصيني ينعكس بدوره على العلاقات بين ضفتي الأطلسي، الأمر الذي يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على التقرب من الاتحاد الأوروبي وإشراكه في القرارات المصيرية، خاصة أن موقف الإدارة الأمريكية انصب خلال الفترة الأخيرة على الصراع مع روسيا، والصراع الاقتصادي مع الصين.