الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

حوار | عبدالرحمن الجبوري: الفراغ السياسي يُصعِّد «الاغتيالات» بالعراق

الدستور العراقي «غامض».. ونسعى لاحتواء الأزمة دون الاقتراب من الخط الأحمر

برهم صالح يمتلك المناورة السياسية.. ولا حكومة دون اتفاق الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي

هوشيار زيباري لا يملك الدعم الوطني.. وبديله لا يتمتع بقبول واسع


الحرب الباردة بين الفصائل الشيعية «أمر قائم».. وداعش «النائم» يترقب المشهد


خسارة «الديمقراطي الكردستاني» الرئاسة تنهي تحالفه مع التيار الصدري


استبعاد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري من سباق الانتخابات الرئاسية العراقية، جدد مخاوف عودة العراق إلى حالة عدم اليقين السياسي، التي عانى منها في سنوات كثيرة، طيلة السنوات التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، وما زاد من حجم المخاوف حالة الانقسام الراهن حول اختيار رئيس الحكومة. التقت «الرؤية» برئيس أكاديمية التطوير السياسي والحكم الرشيد بالعراق، المستشار السابق لرئيس الوزراء العراقي، عبدالرحمن الجبوري، الذي تطرق إلى ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة العراقية، محذراً من أنه إذا استمر الوضع بالشكل الحالي- في ظل عدم توافق التيار الصدري مع الإطار التنسيقي- فسنشهد حالة من الغليان الشعبي، وتصاعداً لعمليات الاغتيالات.

كيف ترى الوضع في العراق الآن؟

الوضع في العراق ما زال غامضاً، بسبب عملية الخروج السياسي من مرحلة الفوضى التي كان يعيش فيها خلال السنوات الماضية، إلى حاضر لم يُغير كثيراً من أدوات الماضي، فالحكم تقريباً لم يتغير من حيث التفكير والإدارة رغم الفوز الكبير للكتلة الصدرية، والاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة، وهي كتل جميعها كانت موجودة في النظام السابق. نحن الآن في صراع حول من يحكم، وليس طريقة الحكم أو أدواته أو قواعده، لذا فإن الوضع في العراق طبيعي ضمن الفوضى التي جرت خلال الـ18 عاماً الماضية، وضمن ضياع استراتيجية سياسية واضحة، أو طريقة مؤسسية للحكم تعتمد على الأغلبية السياسية في منهجها وتفكيرها الخاص بعيداً عن البرنامج السياسي الموحد الذي يجمع العراقيين في هذه الانتخابات الذي لن ينجح للأسف.

كيف تقرأ استبعاد هوشيار زيباري من سباق الانتخابات الرئاسية؟

استبعاد الوزير السابق زيباري قرار صائب جداً، فالدستور العراقي، سمح لمواطنين بالترشح، ولكن ضمن شروط محددة من بينها أن يكون المترشح صاحب رمزية وطنية، وأن يمتلك صفات القيادة الأبوية، وأن يكون قادراً على المناورة بين الكتل السياسية، وفي خارج العراق، وأن يكون حارساً للسلم الأهلي، وأن يملك الدعم الوطني، ويستطيع الوصول بالبلاد إلى وضع عراقي واضح، وهي صفات لم تتوفر في الوزير السابق زيباري، كذلك واحدة من الشروط التي أطاحت بالوزير، هي السيرة وحسن السلوك والسمعة الوطنية، حيث إننا لا ننسى أن الوزير أقيل في البرلمان السابق، من نفس الكتل الممثلة في البرلمان الآن، لأسباب أخلاقية.

شرعية المرشح الجديد

ما تعقيبك على إعادة البرلمان فتح باب الترشيح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية؟

هناك طعن قُدم للمحكمة الاتحادية العليا في هذا الشأن منذ يومين، والسؤال الآن: هل يحق للبرلمان فتح باب الترشيح مرة ثانية، أم لا؟ إذا حسم هذا الأمر بالرفض، فيعد المرشح الجديد ريبر أحمد بارزاني خارج اللعبة؛ لأن ترشحه سيكون غير قانوني، أما إذا وافقت المحكمة الاتحادية على ترشحه سنعود مرة أخرى لنفس الدوامة، ويبقى التساؤل: هل تنطبق شروط الترشح على وزير داخلية كردستان؟ أشك في ذلك. سؤال آخر في حال فشل ترشح ريبر بارازاني: هل سيتم التوافق بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي، في ظل عدم تعدد الخيارات، على اللجوء للمرشح المستقل القاضي رزكار أمين، أم ستكون هناك عملية توافق بين الحزبين حول مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس الجمهورية الحالي، برهم صالح، أم ستكون هناك خيارات أخرى؟ كل هذه الخيارات موجودة، برهم صالح رئيس الجمهورية الحالي لديه قدرة على المناورة السياسية وبعض الصفات الأخرى، وستكون فرصته أقوى من المرشح القاضي رزكار أمين، لكن الفيصل هنا سيكون حول متخذ القرار، هل سيكون كردياً أم وطنياً؟ لذا علينا انتظار قرار المحكمة الاتحادية بشأن ترشح ريبر بارازاني.

لكن الدستور ينص على انتخاب الرئيس في غضون 30 يوماً من انتخاب رئيس البرلمان؟

بعد مرور الفترة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، أصبحت الإجراءات الدستورية بشكل عام بيد المحكمة الاتحادية العليا بالعراق، والتفسير في المحكمة الاتحادية الآن يدور حول هل نُبقي على دستور جامد غامض، أم نجتهد في سبيل حل الأزمة؟ نحن سائرون في عملية حل الأزمة على حدود مرنة لا تخترق الدستور كثيراً، لكنها تقترب من ذلك، نصل للخط الأحمر الذي لا يسمح بتجاوزه، هذه العملية معقدة للغاية، فالمحكمة الاتحادية وضعتنا في موقع صعب لصعوبة انعقادها، حيث تقضي اشتراطاتها لانتخاب رئيس الجمهورية موافقة ثُلثي العدد، أي 220 نائباً، وحال عدم حصول أيٍّ من المرشحين على هذه النسبة، فسنذهب إلى إعادة الانتخاب بين أكثر مرشحين من حيث عدد الأصوات، ومن يحصل منهم على أعلى الأصوات يفز، وهذا إجراء طبيعي للغاية، لكن المهم أن تنعقد الجلسة بـ220 عضو برلمان، هذه هي المشكلة الآن، وليس عملية التصويت للرئيس.

توافق حول الحكومة

ما إمكانية حدوث توافق بين تيار الصدر والإطار التنسيقي على تشكيل الحكومة؟

عامل الوقت في توافق التيار الصدري مع الإطار التنسيقي مهم للغاية، الصدريون خسروا معركة أمام شركائهم، وهي أنهم كانوا يأملون أن يمرروا هوشيار زيباري، وأن تسير الأمور بطريقة أفضل لمصلحتهم، وإذا كان رئيس الجمهورية سيتم تمريره، فإن اختيار رئيس الوزراء ستكون قضيته أسهل، لكن بتعقد مسألة انتخاب رئيس الجمهورية، أُعيدت الحسابات بشكل تام بالنسبة لشركاء الصدر أنفسهم، خاصة إذا خسر الحزب الديمقراطي الكردستاني رئاسة الجمهورية، هل سيبقى التحالف بينه وبين تيار الصدر قائماً؟ لا أعتقد، بل ربما يترك الديمقراطي الكردستاني التحالف ويصبح تحالف الصدر مع كتلة السيادة هشاً وغير قادر على فرض حكومته وبرنامجه الإصلاحي. الإطار التنسيقي (يضم أحزاباً موالية لإيران)، أكثر صبراً في هذه القضية، لذلك أعتقد أن التيار الصدري سيضطر في النهاية إلى التوافق مع الإطار التنسيقي في حدود أقل الأشياء المشتركة، وهو أمر يضعه الآن في الحسبان كخطة ثانية وبديلة.

ماذا سيحدث إذا لم يتوافق التيار الصدري والإطار التنسيقي؟

إذا لم تتوافق الكتلة الصدرية مع الإطار التنسيقي، أمامنا خياران، الأول بشكل عام وهو المستبعد، أن تذهب الكتلة الصدرية، أو الإطار التنسيقي، إلى تشكيل الحكومة بمفردها بعد الانتهاء من اختيار رئيس الجمهورية، وفق رئيس الجمهورية المنتخب حينها، لكنها في هذه الحالة لن تستمر مهما كانت، سواء «إطارية» أم «صدرية»، فالإطار التنسيقي ما زال لديه قوة كبيرة، سواء عسكرياً أو مالياً، فضلاً عن امتلاكه آليه الشحن الشعبي، وأشياء كثيرة أخرى، فما زال قوة ضاغطة سواء في علاقات العراق الداخلية مع المكونات الأخرى، أو مع علاقاته الخارجية، كذلك لديه عمق لدى الجمهور من الفئات المتمكنة اقتصادياً وعسكرياً ومدنياً وحكومياً، ولهم تأثير واضح في العراق. الأمر الثاني: إذا شكّل الإطار الحكومة، فالصدر كذلك لديه قوة وهي قوة الشارع، النزول إلى الشارع، عرقلة الحكومة، فهذه الحكومة إذا لم يتفق الطرفان عليها (الكتلة الصدرية، والإطار التنسيقي)، فلن تستمر أكثر من أشهر أو على الأكثر سنة، إذن لا حكومة بدون اتفاق الطرفين، وحينها سنضطر لانتخابات برلمانية أخرى أو حل الحكومة، أو حكومات متعددة، فالعملية هي عملية إعادة صياغة سياسية لهذا الاتفاق، بعيداً عن المحاصصة، فهل يتفق الطرفان على جدول أو برنامج للحكومة القادمة؟ ومن يضع هذا البرنامج؟ وكيف سيكون هذا البرنامج بالتوازي من قبل الطرفين رغم العداوة ورغم الكره؟

مبادرة المالكي

ما رأيك في المبادرة المطروحة من الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي، للخروج من الأزمة؟

مبادرة الإطار التنسيقي حقيقة لم تكن مفتاحاً ودعوة لحكم مشترك، ولم تكن دعوة لتوحيد الصف أو المكون الشيعي، أو السير في الإصلاح معاً. لفترة طويلة كان رئيس الوزراء من الإطار التنسيقي، ومعظم الوزراء والمديرين من التيار الصدري، يجب أن نتفق أنه ليس هناك اتفاق بين الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، وإنما الاتفاق بين الصدر ونوري المالكي (زعيم الإطار التنسيقي)، لذا فإن السؤال: هل لدى الطرفين استعداد للتنحي عن مشكلاتهم الشخصية من أجل مشروع أكبر، لأن كلا الطرفين سيخسر؟ لا أعتقد أن الصدر قادر على أن يكسب معظم الشيعة، ولا الإطار التنسيقي قادر على كسب بقية الشيعة، المشكلة يجب أن تُحل سياسياً في برنامج يحترمه ويوافق عليه الجميع، في وجود هذا البرنامج أعتقد أنه من الممكن أن تؤجل المشكلة إلى الانتخابات المقبلة، وأتوقع نضوج قوة ليبرالية شيعية تغير المعادلة، لو كانت حركة شباب تشرين، والأحزاب التي انطلقت منها، فازت بمقاعد كثيرة في البرلمان كانت تغيرت الأحوال، لكن مقاعدها غير كافية، وقواعدها ليست متينة.

حرب شيعية - شيعية

هل من الممكن أن نشهد حرباً شيعية - شيعية في العراق بسبب الانتخابات؟

الحرب الشيعية - الشيعية من الصعب أن نراها، وإن كان من الممكن مشاهدة حرب باردة بين الفصائل الشيعية، وإذا لم يتم التوافق السياسي حول انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة سريعاً، سيكون هناك حالة من الغليان الشعبي داخل هذه الفصائل، وستتصاعد عمليات الاغتيالات بينها، وسنشهد عمليات تصفية محلية، إما على قضايا محلية أو قضايا ضمن التنافس السياسي، لأنه عند عدم تسوية الأمور على المستوى الوطني ينتقل الخلاف إلى المستوى المحلي، نعم سنشهد ذلك، لكن حرب واسعة النطاق، هذا سيكون آخر حل وآخر ملاذ. هناك حالياً كوابح لهذا، بالضغط الشعبي، وهناك أيضاً كوابح خارجية، سواء كانت إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية، لا أحد يريد هذه الحرب؛ لأن في الحقيقة الحرب الشيعية - الشيعية معناها عدم استقرار في المنطقة بشكل تام، هذه الحرب ستصبح ساحة للفوضى وللدمار ولتغلغل الفصائل الإرهابية الأخرى منها داعش، والقاعدة، وهو أمر لا يريده أي طرف في المنطقة.