الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

تقدير موقف | 10 شواهد تقود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة الروسية - الأوكرانية

تقدير موقف | 10 شواهد تقود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة  الروسية - الأوكرانية

تتسابق أفكار الدبلوماسيين والسفراء لابتكار حلول للأزمة الأوكرانية الروسية مع عمل الجنرالات وقادة الجيوش على الأرض؛ لتعزيز الوضعية الدفاعية أو الهجومية لقوات الجانبين، ورغم تأكيد البعض في الغرب أن الجليد كلما كان قاسياً كانت الحوافز أكبر لروسيا لدخول الحرب وتحقيق النصر؛ لأن روسيا لم تهزم في أي حرب كان الطقس فيها قارصاً والجليد صلباً، ورغم كل هذه التفاصيل عن أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، ورغم السيناريوهات العديدة للحرب، سواء كانت محدودة أو خاطفة أو حتى ممتدة، يظل خيار الدبلوماسية يسبق كل السيناريوهات العسكرية بخطوة. القراءة العميقة لحسابات كل الأطراف تقول إن هذا الخلاف والنزاع الروسي مع أوكرانيا والناتو بقيادة الولايات المتحدة سوف ينتهي على طاولة المحادثات بدون إطلاق رصاصة واحدة اعتماداً على 10 شواهد و أسباب رئيسية هي:

1- خيار الحرب هو خيار كارثي للأوروبيين؛ لأنه في حال الغزو الروسي قد ينتقل ملايين الأوكرانيين إلى أوروبا. لماذا؟ لأن الاتحاد الأوروبي يمنح أوكرانيا ميزة تفضيلية تسمح بدخولهم إلى دول الاتحاد دون تأشيرة منذ 11 يونيو 2017، وهذا أمر شديد الخطورة على النسيج السياسي والاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي، فالقرب الجغرافي وعدم اشتراط تأشيرة قد يدفع نحو 5 أو 10 ملايين من إجمالي نحو 44 مليون أوكراني للفرار إلى دول الاتحاد الأوروبي حال اندلاع حرب كبيرة.

2- إذا اندلعت الحرب فسوف تتعرض أوروبا لأزمات متعددة في ملف الطاقة، وسوف ترتفع فاتورة التدفئة التي يدفعها المواطن الأوروبي لأرقام قياسية، بعد أن ارتفعت أسعار الغاز إلى نحو 900 دولار لكل 1000 متر مكعب، وتجاوز سعر برميل النفط لأكثر من 92 دولاراً، ولهذا تحاول الدول الأوروبية تقديم دعم فوق طاقتها للمواطن الأوروبي، وحال نشوب الحرب سوف تعاني الدول الأوربية من مشكلة توفير الغاز، بعد أن قال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، صراحة إنه لو اندلعت الحرب فستمنع بلاده مرور الغاز إلى أوروبا، وهذا ما يفسر سعي الولايات المتحدة هذه الأيام لتوفير الغاز من مناطق أخرى من الشرق الأوسط وأستراليا، وحتى تعديل وجهة الشحنات التي اشترتها اليابان نحو أوروبا، لكن المشكلة الأكبر في ملف الغاز في أوروبا هي الأسعار، فالغاز الروسي يصل لأوروبا عبر الأنابيب مثل يامال ونورد ستريم الأول، وبالتالي هو غاز رخيص مقارنة بالغاز المسال الذي يُجرَى نقله بالناقلات البحرية والسفن.

3- ليست كل الدول الأوروبية على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالحرب مع روسيا، فالدولة الفرنسية والرئيس ماكرون الذي سيدخل الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية خلال 3 أشهر فقط، غير مستعد لدخول الانتخابات والحرب مشتعلة في أوروبا، كما أن ماكرون صاحب مقولة إن «روسيا أوروبية بامتياز»، وينطبق هذا الأمر على دول مثل المجر والنمسا وحتى بلغاريا التي لا تريد عداءً مع روسيا، كما أن التردد الألماني واضح ولم تقدم ألمانيا سوى خوذ عسكرية عندما طالبتها كييف بدعم عسكري، بالإضافة إلى أن زعماء المعارضة الأوروبية الرئيسية ضد الحرب أيضاً، وفي مقدمة هؤلاء مارين لوبن في فرنسا، وماثيو سالفيني في إيطاليا.

4- الولايات المتحدة أيضاً ليس في صالحها اندلاع حرب مع روسيا في أوروبا في هذا التوقيت بعد مرور عام فقط على دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، فالرئيس الأمريكي يعاني من مشاكل كبيرة مثل ارتفاع التضخم وسقف الديون لمستويات قياسية، بالإضافة إلى استمرار تداعيات جائحة كورونا وانتشار السلاح والمليشيات الداخلية، وعدم إحراز أي تقدم في ملف الهجرة غير الشرعية، ناهيك عن الصورة النمطية السلبية التي تركتها طريقة الانسحاب من أفغانستان، والصراع مع الصين، كما أن استطلاعات الرأي كشفت عن أن شعبية الرئيس بايدن متدنية للغاية، ولا يزيد من يؤيدون عمل الرئيس الأمريكي على 28% وفق آخر استطلاع جرى في شهر يناير الماضي.

5- ليس من مصلحة روسيا الدخول في حرب واستنزاف قدراتها المالية، فالظروف الاقتصادية الروسية ليست في أفضل حالاتها، والناتج القومي الروسي لا يزيد على 1.6 تريليون، بينما الناتج القومي للولايات المتحدة 20.4 تريليون دولار، وفق حسابات عام 2019 التي نشرها البنك الدولي.

6- يزيد من الوضع الاقتصادي الروسي حجم وصرامة العقوبات الاقتصادية التي يستعد الغرب لفرضها حال بدء الحرب، ورغم وجود هامش من الخلاف بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة حول طريقة دعم أوكرانيا عسكرياً، إلا أن الجبهة الأطلسية «متفقة تماماً» على وجوب قسوة وفاعلية العقوبات الاقتصادية، ويجري الحديث عن خطوات حازمة مثل فصل روسيا عن نظام «السويفت»، وفرض عقوبات اقتصادية على الدائرة المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، وهي عقوبات تختلف في الشكل والمضمون والهدف عن العقوبات التي تم فرضها على موسكو بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، ودفع الخوف من هذه العقوبات بعض الروس للتحذير من استدراج روسيا لهذا الصراع لإخراجها من معادلة الصراع الأمريكي مع كل من الصين وروسيا، وهو حديث تحدث عنه الرئيس بوتين نفسه بالقول أكثر من مرة إن الهدف مما أسماه بالهستيريا الغربية هو استدراج روسيا.

7- اندلاع الحرب تعني نهاية مؤكدة لخط نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا «نورد ستريم 2» الذي تكلف نحو 10 مليارات يورو، وينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى ألمانيا ووسط أوروبا. وحلم الرئيس بوتين في هذا الخط ليس فقط نقل الغاز، لكن التقييم الروسي لهذا الأنبوب يقول إنه بمثابة «اختراق جيوسياسي» لأنه يمر أسفل بحر البلطيق ويصل لقلب أوروبا، ويمثل نجاحه ورقة سياسية دائمة في يد الكرملين، ولا يتصور أن يضحي الرئيس بوتين بهذه الورقة التي ضحى كثيراً من أجلها منذ عام 2012 عندما بدأ الحديث حول هذا المشروع، وقال الرئيس بايدن منذ يومين مع المستشار الألماني أدولف شولتز، إن بدء الحرب في أوكرانيا يعني نهاية كاملة لخط نورد ستريم 2.

8- أي تدخل روسي، سواء محدود في دونباس، أو موسع في كل أوكرانيا، أو خاطف بتنصيب حكومة موالية لروسيا ثم الانسحاب، سوف يعجل بانضمام دول ما زالت سياستها معتدلة مع روسيا مثل السويد وفنلندا، والتي قالت إنها سوف تنضم مباشرة وفوراً للناتو إذا غزت روسيا أوكرانيا، وهذه خسارة كبيرة لروسيا؛ لأن وقتها سوف تتحول حدود السويد وفنلندا مع روسيا إلى حدود الناتو مع روسيا.

9- الأوضاع الداخلية في روسيا ليست مثالية لبدء الحرب من الناحية الصحية والسكانية، فروسيا من الدول ذات النسب العالية في إصابات كورونا، كما أن نسب تلقي اللقاحات في روسيا هي الأقل بين الدول الأوربية، كما أن محاولات الرئيس بوتين لزيادة عدد السكان تواجه تحديات كثيرة، ويتوقع أن ينخفض عدد السكان الروس عام 2050، وهي قضية تشغل المخططين الروس بشكل كبير، والدخول في حرب في ظل التراجع السكاني يتنافى ويتعارض مع «نظرية القوة الشاملة» التي تعتبر القوة البشرية عنصراً رئيسياً في معادلة القوة الشاملة.

10- تعاني روسيا من ضعف وقلة في عدد الحلفاء الذين يمكن أن ينخرطوا معها إذا استمرت الحرب طويلاً، فروسيا ليس لها حليف عسكري لو اندلعت الحرب إلا بيلاروسيا، ولم تعلن الصين في أي وقت استعدادها لدخول الحرب بجانب روسيا، وما تعلنه الصين هو دعمها فقط للمطالب الأمنية التي طالبت بها موسكو.

التحديات إلى فرص

بالإضافة للأسباب السابقة، فليس من مصلحة الصين كذلك اندلاع الحرب؛ لأن الدولة الصاعدة بقوة ليس من مصلحتها أن تدخل روسيا في حرب مع الغرب قد تنتهي باستنزاف روسيا، ووقتها سوف ينفرد الغرب بالصين، كما أن دخول روسيا الحرب قد يؤثر على النمو العالمي والتجارة العالمية بما يضر بخطط الصين للتعافي الكامل بعد جائحة كورونا.

ويزيد من قوة الحل الدبلوماسي أنه لا يتوقف عند تبريد الصراع الروسي الأوكراني، بل يمكن أن يحول التحديات المرتبطة بهذا الملف إلى فرص حقيقية، حيث تحدث الغرب لأول مرة مع روسيا عن الضمانات الأمنية التي أرسلتها موسكو لواشنطن والناتو، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين استطاعوا تحقيق نوع من التوازن النسبي مع روسيا عبر إرسال عشرات الأطنان من الأسلحة، وهو ما يجعل روسيا تفكر مرتين قبل الحرب، و تستطيع الولايات المتحدة بعد هذه الأزمة أن تسوق جيداً لحلف الناتو، بعد أن وصفه الرئيس ماكرون في عام 2020 بأنه مات «إكلينيكياً»، فالحلف يدافع بقوة عن دولة أوكرانيا، وهي دولة حتى الآن لم تدخل للحلف، وهذا من شأنه أن يدفع بدول حلف الناتو التي لم تصل لعتبة إنفاق 2% من ناتجها القومي على الجوانب العسكرية أن تسرع في هذه الخطوة، وهذا في صالح الولايات المتحدة التي تشكو من ضعف إنفاق الأوروبيين على الدفاع، وتطالبهم بهذه النسبة منذ قمة الحلف في ويلز عام 2014، بينما تنفق الولايات المتحدة نحو 3.7% من إنتاجها القومي، البالغ 20.4 تريليون دولار عام 2019 قبل جائحة كورونا.