الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

«الخليج في الصدارة».. خيارات حلفاء أمريكا لتفادي السيناريو الأوكراني

«الخليج في الصدارة».. خيارات حلفاء أمريكا لتفادي السيناريو الأوكراني

القوات المسلحة الإمارتية تحرص على رفع الكفاءة القتالية عبر التدريبات المستمرة

امتلاك قوة عسكرية قادرة على التعامل مع المخاطر الأمنية

دول الخليج تمارس قوة الردع الناعمة عبر تنويع علاقاتها الخارجية

التهديد الصيني والأزمة الأوكرانية يعيدان تشكيل التكتلات بين الشرق والغرب

تقوية الجيش الخليجي المتمثل في درع الجزيرة وتنويع التحالفات الدولية

أثار الموقف الأمريكي تجاه أوكرانيا حفيظة دول عدة، بعد أن بات واضحاً تخليها عن دعم أوكرانيا في سبيل تفادي ما أسمته حرباً عالمية ثالثة، ما وضع حلفاءها أمام خيار انتظار تخلٍّ مشابه، أو البحث عن حلفاء جدد لضمان توازن القوى، وسط تشكل خريطة تحالفات جديدة يراهن ساسة العالم على أنها أوشكت على الظهور بأوجه قطبية متعددة.

خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن الولايات المتحدة الأمريكية تستمد قوتها من عدم استقرار دول العالم دون أن تلتفت إلى قوانين أو قواعد أو حتى أرواح الشعوب، وأشاروا إلى أن الدول الخليجية تعد حليفاً قوياً مع الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، الأمر الذي يمكنها من الحصول على الضوء الأخضر لتعبئة قوة دولية.

فرق تسد

قال رئيس مركز سيريس للدراسات الاستراتيجية في باريس، دكتور عمر الزبيدي، إن الولايات المتحدة الأمريكية احتلت مركزاً مهماً في خارطة السياسة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تحولت إلى دولة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مؤكداً أن دول العالم مرت خلال تلك الفترة بمراحل صعبة ليس بسبب الصراعات الدولية التي تفتعلها الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل نتيجة ارتباط الاقتصاد الأمريكي بالحروب والصراعات، ما دفعها لاختلاق الأزمات بين الدول طوال الوقت، لافتاً إلى أنها تتبع سياسات غير أخلاقية وإنسانية، عنوانها المصالح الأمريكية.

وتابع أن كل خرافات الخطط الاستراتيجية لعقود مجرد خيال، لا سيما أن الخطة الوحيدة للولايات المتحدة الأمريكية إضعاف الجميع وانتهاكهم لضمان قطبيتها وتقدمها، مشيراً إلى أنها في سبيل تحقيق هدفها البراغماتي استنسخت الطريقة البريطانية في تعزيز الصراعات القائمة على مقولة «فرق تسد» التي تجعل من زراعة الفتن بين الدول وجيرانها وداخل مكونات كل دولة هدفاً مشروعاً لنشاطات الاستخبارات الأمريكية التخريبي، الأمر الذي ألقى بظلاله على الخريطة العالمية منذ الحرب العالمية حتى يومنا هذا، وما يشوبه من أزمات بين الدول بداية من (المغرب والجزائر)، (السعودية وإيران)، (إثيوبيا ومصر)، (تايوان والصين)، (روسيا وأوروبا)، (باكستان والهند)، وغيرها من الأزمات التي كان آخرها روسيا وأوكرانيا، منوهاً بأن الأخيرة تتوهم أن الشعب الأمريكي وقياداته يهتمون بمستقبلها، غير أن الواقع مغاير لتلك الأوهام الأوكرانية.

لعبة المصالح

وأشار «الزبيدي» إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخلص حتى من حلفائها بعد أن تنتهي مصالحها، سواء من أجل أهداف انتخابية قصيرة، أو لخلط الأوراق وإضعاف الدول بهدف الإبقاء على قوتها، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية تستمد قوتها من عدم استقرار دول العالم دون أن تلتفت إلى قوانين أو قواعد أو حتى أرواح الشعوب، مدللاً على ذلك بتخليها عن أقرب حلفائها بداية من شاه إيران، رضا بهلوي، مروراً بالرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، والرئيس العراقي، صدام حسين، والحكومة الأفغانية، وصولاً إلى القيادة الأوكرانية الحالية، لافتاً إلى أن دراسة الحالة الأوكرانية تحديداً تعكس كيفية التضحية بدولة كاملة وشعبها من أجل أهداف سياسية قد تنجح أو تفشل، معتبراً الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف استراتيجي «غباء»، لا سيما بعد أن حاولت خلال الربيع العربي استبدال الأنظمة الصديقة بأخرى إخوانية لضمان إضعاف العالم العربي بصورة أكبر.

وأوضح أن المملكة العربية السعودية باتت تعي هذا الدرس جيداً، لذا فإنها تسعى إلى امتلاك قوة عسكرية متكاملة وقادرة على التعامل مع المخاطر الأمنية والعسكرية، الأمر الذي تبلور عبر إنشاء قوات التحالف العربي، لافتاً إلى أن هذا التحالف أعطى مثالاً لقوة عربية استطاعت تعديل ميزان القوى في مواجهة المخاطر الإقليمية والعالمية، خاصة بعد أن نجحت في إفشال مخطط المشروع الإخواني والإيراني من تحقيق أهدافهم التي تنسجم مع الأهداف الأمريكية الرامية إلى إضعاف البنية العربية والإسلامية، وإيجاد مزيد من الصراعات داخلها.

علاقة أمريكا بالخليج

ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس، ورئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية، دكتور آلان صفا، أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بحماية دول الخليج منذ اتفاقية كوينسي 1945 (بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية)، مدللاً على ذلك بالمساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للكويت خلال حرب الخليج الأولى، مؤكداً على أن الولايات المتحدة أثبتت خلال الأزمة الأوكرانية الأخيرة قدرتها على توحيد الدول الأوروبية في مواجهة روسيا، بل ودفعها نحو اتخاذ قرارات جذرية تتعلق بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، في إشارة إلى العقوبات الغربية على روسيا، بما يؤكد أن القوة الأمريكية الناعمة ما زال أمامها مستقبل مشرق.

قوة ردع خليجية

وأشار إلى أن التهديد الرئيسي لدول الخليج يتمثل في إيران وحلفائها، غير أن الأخيرة لا تعد قوة نووية، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لن تتوانى عن التدخل لحماية الدول الخليجية من أي مخاطر إيرانية محتملة، لحماية مصالحها الاقتصادية أولاً، مشدداً على أن الأزمة الأوكرانية لا تمنع حماية الولايات المتحدة الأمريكية لدول الخليج من أي تهديد خارجي، لافتاً إلى قدرة دول الخليج على ممارسة قوة الردع الناعمة عبر تنويع علاقاتها الخارجية، إلى جانب تطوير اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع القوى الدولية، بما يضمن حماية تلك الدول من الخطر المحتمل من القوى الإقليمية الصاعدة، لافتاً إلى وجود خيار آخر حال فشلت في استخدام القوة الناعمة، يتمثل في الدعم العسكري من خلال حلفائها داخل مجلس الأمن، لا سيما أن الدول الخليجية تعد حليفاً قوياً مع الدول دائمة العضوية، الأمر الذي يمكنها من الحصول على الضوء الأخضر لتعبئة قوة دولية، لا سيما أن التكوين الجغرافي البري والبحري لدول الشرق الأوسط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص، لا يمكن أن يضمن ستاراً حديديا يمكن الدفاع عنه، إذ إن القرب الجغرافي وتقاسم المساحات البحرية المشتركة يمنع مثل هذا السيناريو.

وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا (بشكل محدود) لا يترددون في التدخل لحماية حلفائهم خارج أراضيهم، مشيراً إلى أن الصين يمكن أن تمارس هذا النهج خلال السنوات المقبلة، مدللاً على ذلك بالتوسع الصيني في إنشاء قواعد عسكرية بعيدة، بالإضافة إلى توسع القوى العسكرية البحرية، مشدداً على ضرورة اتباع عدة خطوات لضمان حماية الدول الخليجية على المدى البعيد، بينها؛ توطيد المشهد الداخلي، ونسج علاقات وثيقة ومتنوعة مع القوى العظمى، بالإضافة إلى إبرام معاهدات إقليمية مع أعدائها المحتملين برعاية قوى دولية.

بدائل خليجية

في السياق ذاته، أوضح العميد البحري المتقاعد، عمرو العامري، أن دول الخليج والمملكة العربية السعودية أدركت قبل الأزمة الأوكرانية عدم قدرتها على الاعتماد على العون الأمريكي في حماية الخليج، لا سيما أن فرض الأمن في المنطقة مرهون بالإمدادات النفطية، غير أنه مع تزايد البدائل سواء عبر الاكتشافات الجديدة داخل دول عدة، أو اتجاه العالم نحو استخدام الطاقة النظيفة، جعل من التحرك الأمريكي لحماية الخليج أمراً غير ممكن، إلا في إطار تهديد السلام العالمي، مدللاً على ذلك بامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم العون إلى السعودية عقب استهداف حقل «الغوار» السعودي من قبل المليشيات الحوثية، والذي يمثل ما يقرب من ثلث إنتاج النفط التراكمي للمملكة العربية السعودية منذ 2018، أو حتى الضغط على إيران الممول الرئيسي لتلك المليشيات.

تشكيل التكتلات

وأكد أن انشغال أمريكا بالتهديد الصيني المتنامي، والمغامرة الروسية غير المحسوبة بحسب «العامري» يعيدان تشكيل التكتلات بين الشرق والغرب ولكن في إطار نفس اللاعبين، منوهاً بأن المملكة العربية السعودية والإمارات تسعيان إلى الاعتماد على الذات من خلال تطوير قدراتهم الدفاعية والعسكرية، مؤكداً أن مصر تلعب دوراً ضمن هذا التحالف، لا سيما أنها قطعت شوطاً كبيراً في تحديث قدراتها العسكرية عبر الحصول على أحدث الفرقاطات والغواصات البحرية، بالإضافة إلى الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي.

وأشار إلى سعي المملكة العربية السعودية إلى تخفيف حدة النزاعات الإقليمية، عبر دعوة إيران للحوار والكف عن دعم مليشياتها المنتشرة داخل المنطقة، غير أن ذلك لا يوقف جهود المملكة في الحصول على أسلحة رادعة حال فشلت في الحد من الطموح النووي الإيراني، مشيراً إلى أن العالم يعاد تشكيله من جديد، ولعل تصريح سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن إسرائيل قد تكون حليفاً محتملاً متى ما وجدت حلولاً لنزاعها مع الشعب الفلسطيني، يؤكد التغيرات الكبيرة في المنطقة التي استنزفت خلال النزاعات الطويلة، غير أن هذا لا يمنع تطوير قدرات دول الخليج العسكرية والدفاعية، بالتوازي مع محاولة تصفير الأعداء للوصول إلى توازن إقليمي يضمن أمن منطقة الخليج.

رهان خاسر

إلى ذلك، قال رئيس مركز طروس للدراسات، محمد الثنيان، إن الرهان على دور أمريكي في حماية دول الخليج رهان خاسر، خاصة بعد ما تعرضت له أوكرانيا، لا سيما أن الأخيرة بعد أن سلمت أسلحتها النووية في ظل اتفاق أشرفت عليه الولايات المتحدة الأمريكية باتت مكشوفة في ساحة المعركة، مؤكداً على أن نجاح روسيا في السيطرة على أوكرانيا يشجع بعض الدول الطامحة للتدخل في دول الخليج التي تتعرض للتهديد بين الحين والآخر من إيران ومليشياتها، خاصة أن مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني لم تحسم بعد.

وشدد على ضرورة تعزيز دور مجلس التعاون الخليجي في إصلاح البيت الخليجي وحمايته في ظل ارتباك المجتمع الدولي عقب العملية العسكرية في أوكرانيا، بما يعظم من مسؤولية المجلس في تقوية الصف الخليجي، لا سيما في ظل الشر الذي تكنه إيران ومليشياتها لدول المنطقة، بعد أن سيطرت على عواصم تاريخية مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، ونشر خلاياها ومليشياتها داخلها.

5 نقاط

ويرى «الثنيان» ضرورة تنفيذ 5 نقاط رئيسية لمواجهة التحديات ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي، تتمثل في؛ تدعيم اتفاقات صلح العلا لإكمال المصالحة الخليجية، وتقوية الجيش الخليجي المتمثل في درع الجزيرة، وترسيخ العلاقات العربية، وتنويع التحالفات الدولية، بالإضافة إلى تعزيز الجبهة الخليجية الداخلية، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي قد يتعرض لتغييرات كبرى في ظل تحالف دول روسيا والصين وكوريا الشمالية، في مقابل تحالف يضم دولاً غربية والولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً على أن نجاح العملية العسكرية في أوكرانيا قد يؤدي إلى حرب كبرى تنتهي بتشكيل نظام دولي جديد.