السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

«اتفاقات إبراهيم».. «خط ساخن» لتعويض قنوات الاتصال المفقودة

«اتفاقات إبراهيم».. «خط ساخن» لتعويض قنوات الاتصال المفقودة

(وام)

منذ التوقيع على اتفاقات إبراهيم عام 2020 بين الإمارات وإسرائيل، نظر إليها مراقبون باعتبارها منصة لبناء «حلف شمال أطلسي إقليمي» جديد يهدف إلى ردع إيران، خصم الولايات المتحدة، والتي يبدو أن واشنطن لم تجد غيره الآن لتعول عليه في بحثها الحثيث عن إمدادات بديلة للنفط الروسي.

غذّى تلك الفكرة العداء المشترك من قِبَلِ طهران لكل من الإمارات والسعودية والبحرين وإسرائيل. لكن مركز أبحاث «المجلس الأطلنطي»، رأى في تقرير له أن أبوظبي يمكن أن تكون «الخيار الأفضل» كقناةٍ لنزع فتيل التوتر في المنطقة، وليس فقط، «كعصا تهديد لإيران».

علاقات الإمارات بإيران، قبل كل شيء، تختلف كلياً مع علاقات تل أبيب بطهران، اللتين تريان في بعضهما «تهديداً وجودياً وشيكاً»، وتعارضان بعضهما بشكل مباشر.

على النقيض، ورغم عقود من النزاعات الإقليمية، ما زالت للإمارات، كمركز عالمي للتجارة والسياحة والاستثمار، علاقات اقتصادية مُربحة مع إيران.

كما أن الإمارات، التي تعتمد على الاستقرار، لم تعد واثقة –كدول أخرى عدة– في الدعم الأمريكي حال حدوث مواجهة عسكرية مع إيران، الأمر الذي يجعل منطقة الشرق الأوسط تعتمل بكثير من التغيرات والروابط الجديدة، وإعادة التقييم لدور الولايات المتحدة الأمريكية إقليمياً.

بمعنى آخر، رأي التقرير أنه «ما لم تقترب إيران من القدرة على الاختراق النووي»، فلن يكون من المرجح أن تتحرك إسرائيل أو الإمارات ضدها بشكل علني.

مخاطر الحسابات الخاطئة

من هنا، تأتي خصوصية قدرة أبوظبي على لعب دورٍ مهمٍ في نزع فتيل التوتر، في وقت يتواصل فيه النشاط العسكري الإسرائيلي ضد إيران عبر الأراضي السورية، من جهة، والنشاط العسكري الإيراني ضد إسرائيل عبر العراق، من جهة أخرى.

في هذا السياق، أشار التقرير إلى زيادة الحاجة لقناة اتصال بين الطرفين لمنع أي تصعيد محتمل، عبر إنشاء «خط ساخن» هدفه الحد من مخاطر الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى اندلاع حرب في المنطقة.

وتتضاعف أهمية هذا الدور الذي يمكن لأبوظبي أن تلعبه مع افتقار إسرائيل لقنوات اتصال علنية مع القيادة الإيرانية، والأهم مع انشغال روسيا في الصراع مع أوكرانيا، حيث كانت موسكو في الماضي تضطلع بهذا الدور سابقاً.

غياب السفراء

وتحدث تقرير لـ«معهد الشرق الأوسط» عن أهمية تلك القنوات بشكل عام. وقال إن تفاقم الاختلاف مثلاً في أولويات السياسة الخارجية بين الإمارات والولايات المتحدة كان بسبب الفشل في الحفاظ على قنوات اتصال حاسمة، في إشارة إلى عدم وجود سفير للولايات المتحدة في أبوظبي منذ نهاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إذ لم يتم الإعلان عن أي ترشيح جديد حتى الآن.

غياب تلك القناة أدى إلى عدم التنسيق بين الجانبين بشكل جيد فيما يخص مفاوضات فيينا أو نوايا الولايات المتحدة لاستعادة الاتفاق النووي. كما أدى إلى تفاجؤ المسؤولين الأمريكيين أكثر من مرة بالتحركات الإماراتية الجديدة في المنطقة، إذ باتوا يشكُون من أن القيادة الإماراتية تبقي صانعي القرار الأمريكيين على مبعدة منها، في الوقت نفسه الذي تواصل فيه بنشاط الحوار مع موسكو وبكين.

مصر نموذجاً

مصر أيضاً اضطلعت بدور قناة الاتصال في العلاقة بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة. فعلى الرغم من رفض حماس لحق إسرائيل في الوجود، واعتبار تل أبيب حماساً «منظمة إرهابية»، إلا أن القناة المصرية جعلت من الممكن أحياناً «احتواء الصراع».

كذلك، استخدمت الولايات المتحدة، التي تفتقر أيضاً إلى علاقات مع إيران، كل من قطر وعمان لتسهيل الحوار السري مع طهران.

لهاث وراء النفط

والمعلوم أن الصراع الحالي في أوكرانيا دفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اللهاث وراء السعودية والإمارات وفنزويلا وإيران في رحلة بحث مضنية عن النفط، سعياً لاحتواء ارتفاع أسعار الطاقة.

لذا تفتح واشنطن قنوات اتصال «مع الأصدقاء والأعداء»، على حد سواء، على حد وصف تقرير لـ«المجلس الأمريكي الإيراني»، من أجل سد بعض الثغرات الناتجة عن تقلص مساهمة روسيا المتسارعة في أسواق الطاقة العالمية.

عين على إيران

وأشار التقرير إلى أن إدارة بايدن – بعد تعثر محاولاتها مع الرياض وأبوظبي – باتت «عينها على إيران»، التي سيسهم نجاح المحادثات النووية الجارية في فيينا، في عودتها إلى أسواق النفط الدولية في الأشهر المقبلة، حتى وإن لم يسد ذلك العجز في إمدادات النفط الخام على المدى المتوسط.

فالنفط الإيراني وإن قدِّرَ له أن يسهم نوعاً ما في خفض الأسعار، إلا أنه لن يقلل، على المدى القصير إلى المتوسط​​، من اعتماد الاتحاد الأوروبي على إمدادات الطاقة الروسية.

في ظل تلك التعقيدات، تتضح الأهمية المتزايدة لإيجاد قنوات اتصال منتظمة بشكل عام بين مختلف الأطراف، دولياً وإقليمياً، لتقريب الرؤى ونزع فتيل الأزمات.

وعلى الرغم من التصور الشائع بأن اتفاقات إبراهيم كانت معادية لإيران، إلا أنها يمكن أن تعمل الآن على الحفاظ على السلم، وتجنب إشعال حرب إقليمية.