السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

اعتماد السلفادور لـ«بيتكوين».. قرار سيريالي أم مقدمة لتحول لا مفر منه؟

اعتماد السلفادور لـ«بيتكوين».. قرار سيريالي أم مقدمة لتحول لا مفر منه؟

نصف سكان السلفادور لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت في المقام الأول. (رويترز)

في السلفادور، واحدة من أفقر دول أمريكا اللاتينية، والتي فاجأت العالم الشهر الماضي، كأول دولة تعتمد «بيتكوين» عملة رسمية وقانونية، خرج، أمس الأحد، ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص للتظاهر في العاصمة سان سلفادور، حاملين لافتات رافضة للعملة الرقمية الإلكترونية المثيرة للجدل.

استجاب المتظاهرون لدعوات تنظيمات يسارية ويمينية رافضة إقرار بيتكوين كثاني عملة رسمية للبلاد بعد الدولار الأمريكي، واصفين العملة الرقمية بأنها وسيلة لـ«الاحتيال». وقال ريكاردو نافارو، رئيس منظمة «سيستا» البيئية، أحد منظمي التظاهرات: «الناس بدؤوا يتعبون من هذه الحكومة الاستبدادية غير الديمقراطية. إنها تقودنا إلى الهاوية مع هذه الأفكار السيئة التي تضر بالاقتصاد».

صدرت بيتكوين أول مرة عام 2008 من قبل مجهول عرف نفسه باسم «ساتوشي ناكاموتو»، لكن وبحسب موقع «بي بي سي» الإخباري، كشف رجل أعمال أسترالي يدعى كريغ رايت عام 2016 عن كونه مبتكر المحفظة الرقمية المشفرة، مقدماً ما لديه من أدلة تقنية حسمت سنوات من التكهنات بشأن مبتكر الفكرة.

بدأ استخدام العملة عام 2009 مع إصدار تطبيقها كـ«برنامج مفتوح المصدر». وتعتبر بيتكوين أول عملة لا مركزية، بمعنى أنها لا تتبع أي بنك مركزي، ويمكن تحويلها مباشرة عبر الأشخاص من خلال شبكة بيتكوين الإلكترونية، دون الحاجة إلى بنك أو مكاتب تحويلات. وأبرز ما يوجه من انتقادات للعملة أنه يمكن استخدامها في إجراء معاملات غير قانونية.

وأصبحت السلفادور في 7 سبتمبر الماضي أول بلد في العالم يشرع بيتكوين، وسط انقسامات شديدة بين الرأي العام والخبراء الاقتصاديين، بل والمنظمات المالية الدولية.

ويعارض أكثر من ثلثي المواطنين في السلفادور الفكرة، وفقاً لاستطلاعي رأي أعربوا فيهما عن رغبتهم الاستمرار في استخدام الدولار الأمريكي، الذي يتداولونه حصراً منذ 20 عاماً. ففي عام 2001 اعتمدت السلفادور الدولار الأمريكي كعملة قانونية لضمان الاستقرار النقدي الذي لطالما فشلت العملة الوطنية للبلاد «كولون» في تحقيقه.

التشريع الجديد الذي أقره برلمان السلفادور في يونيو يلزم المواطنين بـ«قبول بيتكوين كوسيلة للدفع»، كما ينص على أن قيمتها «سيحددها السوق». لكن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومصرف التنمية للبلدان الأمريكية، فضلاً عن خبراء اقتصاد من دول عدة، حذروا الدولة اللاتينية من مخاطر الإقدام على هذه الخطوة «الجريئة»، خلافاً لتحفظ دول أخرى كثيرة مثل الصين، التي تسعى لتقييد تداول «بيتكوين».

وكان اليوم الأول لإقرار العملة الشهر الماضي قد شهد تراجعاً حاداً لقيمتها، مسجلاً أدنى مستوياته، فضلاً عن أعطال تقنية، ما أشعل احتجاجات فورية في الدولة التي يعاني سكانها من معدلات فقر مرتفعة.

ولتشجيع الأفراد على التعامل بها، منحت الحكومة المواطنين 30 دولاراً لكل عملة، معتبرة أنها ستتيح للبلاد 400 مليون دولار سنوياً من رسوم المعاملات على الأموال المرسلة من الخارج، وهو ما يدافع عنه رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة، قائلاً: «من حق السلفادور التقدم نحو العالم الأول».

وبينما يرى البعض أن العملة الإلكترونية تحمي الجميع من تداول الأوراق المالية المزيفة، يأخذ عليها آخرون كون سوقها «متقلباً للغاية»، عطفاً على أن اتخاذ الخطوة في بلد فقير، تنتشر فيه الأمية، وغالبية سكانه يمتلكون بالكاد هاتفاً محمولاً غير ذكي، يعد مخاطرة.

ويقول جيفري فرانكل، المستشار الاقتصادي والأستاذ في جامعة هارفارد الأمريكية، لصحيفة «غارديان» البريطانية، إن «العملات المشفرة كيان محير، واعتمادها كعملة قانونية هو الأكثر غرابة وإثارة للقلق، خاصة على اقتصاد البلدان النامية».

ويضيف أن اعتماد السلفادور للدولار الأمريكي عام 2001 «نجح في الإصلاح المرجو للبلاد، وانخفض معدل التضخم السنوي، الذي تجاوز بشكل كبير 10% بين عامي 1977 -1995. ووصل إلى أقل من 2% منذ عام 2012، وقريباً من الصفر منذ عام 2015، وهو أمر نادر في أمريكا اللاتينية». لذا اعتبر أن خطوة اعتماد بيتكوين كعملة قانونية الآن «قرار سريالي».

وأشار فرانكل بدوره إلى أنه «حتى الأذكياء الرقميين يتعرضون لمخاطر نسيان كلمات المرور وفقدان عملات بيتكوين الخاصة بهم»، لافتاً إلى أن «ما لا يقل عن نصف سكان السلفادور لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت في المقام الأول».

وبين الحماس للخطوة والتحذير من مغباتها على الدول النامية، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت السلفادور مجرد «أول قطعة دومينو تسقط في هذا التحول الذي لا مفر منه».