الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

«تحالف أعداء الفحم» يهدد بنهاية عصر المصدر الأرخص للطاقة

«تحالف أعداء الفحم» يهدد بنهاية عصر المصدر الأرخص للطاقة

رغم ارتباط الإنسان بالفحم منذ فجر التاريخ، إلا أن اختراع المهندس نيوكومن لآلة البخار في إنجلترا عام 1712، كان البداية الحقيقية لاعتماد البشرية على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، وحتى بعد اكتشاف البترول والغاز والطاقة الجديدة والمتجددة ظل الفحم خطاً أحمر لم يقترب منه أحد، رغم عشرات المؤتمرات والاجتماعات التي دعت خلال العقود الثلاثة الماضية للتخلي عن الفحم كمصدر من المصادر الرئيسية للطاقة.

ويعود التمسك بطاقة الفحم طوال السنوات الماضية إلى أسباب كثيرة منها أن الطاقة الكهربائية التي تأتي من الفحم هي الأرخص حتى الآن، رغم إدراك الجميع أن الفحم يبعث ضعفي ونصف الانبعاثات الكربونية التي تخرج من الغاز، وحتى مع الحديث الطويل ومنذ سنوات كثيرة عن ضرورة التخلص من الفحم في توليد الطاقة، إلا أن هناك 8500 محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم قيد التشغيل في العالم، تهدف لإنتاج 2000 ميغاواط من الكهرباء، بالإضافة إلى أن 60% من الكهرباء التي يجري إنتاجها في الصين والهند وإندونيسيا تأتي من الفحم، ناهيك عن أن اقتصادات الدول الناشئة، خاصة في آسيا، والتي تعتمد على الفحم في 90% من محطات توليد الكهرباء الجديدة، وتشكل الأسواق الصاعدة 76.8% من استهلاك الفحم العالمي، تساهم الصين في 50% منها، ويمثل توليد الكهرباء 72.8% من استخدام الفحم في العالم، بينما تمثل الاستخدامات الصناعية مثل فحم الكوك لإنتاج الحديد الصلب، نسبة 21.6% الأخرى، وفق بيانات البنك الدولي.

تخفيض تدريجي

وضع مؤتمر «cop26» الذي اختتم أعماله في غلاسكو وشارك فيه نحو 200 دولة، العلاقة بين البشر والفحم لأول مرة في التاريخ على المحك، وذلك عندما طالب البيان الختامي بالتخفيض التدريجي لاستخدام الفحم، بعد أن تدخلت الهند ليتضمن البيان الختامي لقمة غلاسكو التخفيض التدريجي بدلاً من الصيغة الأشد صرامة ضد الفحم، والتي طرحت في بداية المؤتمر، والتي كانت تقول بالتخلص التدريجي من الفحم، وهو ما يؤكد أننا أمام بداية النهاية لعصر الفحم الذي بدأ مع آلة البخار بعد أن بات الفحم هو المتهم الأول في الاحترار المناخي، وأفلحت كل تلك الضغوط في تعهد الدول الكبرى ذات الاحتياطيات والإنتاج الضخم من الفحم مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، بالتخلص من محطات الطاقة التي تعتمد على الفحم بحلول منتصف القرن الجاري، فالرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن في غلاسكو أن بلاده ستصل لصفر كربون عام 2050، كما أن الرئيس شي جين بينج، أكد التزام الصين بالوصول إلى الحياد الكربوني عام 2060، وهو نفس العام الذي تعهدت روسيا فيه بالتخلص من الانبعاثات الكربونية.

ورغم كل هذه التعهدات التي لم ترقَ إلى طموحات نشطاء البيئة، إلا أن البعض يخشى أن تتبخر هذه الوعود تحت عوامل وضغوط داخلية واقتصادية في مختلف دول العالم نتيجة للأزمة الحالية في إمدادات الطاقة التي تعانيها الصين وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فما هو مستقبل العلاقة بين الفحم والطاقة في العالم؟ وإلى أي مدى يمكن التخلص النهائي من الفحم كأحد مصادر الطاقة في منتصف القرن الحالي؟ وما هي المحفزات والعقبات التي تحول دون وصول العالم لمرحلة بقاء الفحم في باطن الأرض؟

تحديات وكوابح

المؤكد أن هناك ازدهاراً غير مسبوق في إنتاج الطاقة النظيفة نتيجة للبدء في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة الشمسية والكهربائية والذرية وطاقة الرياح وغيرها، لكن حتى الآن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين ما توفره المصادر الصديقة للبيئة من طاقة، وبين كمية الطاقة التي يوفرها الفحم، فكمية الطاقة النظيفة مثل الطاقة الكهرومائية والنووية الشمسية وطاقة الرياح تعجز عن تلبية الزيادة في الطلب العالمي، خاصة في مرحلة التعافي الاقتصادية الحالية مع انحسار الجائحة، وحتى يتم حصر هذه الفجوة يحتاج العالم ما بين تريليونين إلى 5 تريليونات دولار استثمارات جديدة في مصادر الطاقة النظيفة، بحسب وكالة الطاقة الدولية، التي كشفت عن أن جزءاً كبيراً من المحطات الكهربائية التي تعمل بالفحم في القارة الآسيوية جرى إنشاؤها خلال العقد ونصف الماضيين، بينما حجم وقيمة الاستثمارات التي تم إنفاقها على هذه المحطات يحتاج للعمل 35 أو 45 عاماً حتى لا تخسر الجهات التي قامت بتمويلها، سواء كانت قطاعاً خاصاً أو حكومياً.

ويحتاج البحث عن عمل جديد وإعادة تدريب ملايين العمال الذين يعملون في مناجم الفحم وتوارثوا هذه المهنة عبر أجيال كثيرة، ليس فقط إلى أموال طائلة، بل إلى ثقافة جديدة، وتغيير هذا الأمر يحتاج سنوات طويلة وربما عقود، ولدينا دليل واضح في هذا الأمر وهي بريطانيا التي استغرقت 46% عاماً كاملة للتخلص من 90% من محطات الفحم، كما أن إغلاق هذه المناجم قد ينطوي على رفض شعبي وربما إلى عدم استقرار سياسي، وهي كلفة قد لا تستطيع الكثير من الحكومات المخاطرة في الدخول فيها، خاصة أن دولة مثل الصين وعدداً من الاقتصاديات الآسيوية الناشئة يقف الاستثمار الحكومي وراء النصيب الأكبر من الطاقة التي تعتمد على الفحم، وهو ما يرفع من تحديات التخلص من الفحم بشكل نهائي، كما يقول رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس.

تحالف أعداء الفحم

لكن في نفس الوقت هناك سلسلة من العوامل التي تدفع دول العالم للتخلص من الفحم كمصدر للطاقة حتى لا ترتفع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، ومن تلك الأسباب توقف الجهات المانحة عن تقديم قروض ومنح وتمويلات مالية للمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، فخلال عام 2020 تلقت صناعة الفحم تمويلاً بلغ 18 مليار دولار من الجهات الدولية، مثل البنك الدولي الذي يستعد للإنفاق على الطاقة بشكل مختلف في السنوات المقبلة، من خلال مساعدة العاملين في مناجم الفحم للعمل في مجالات أخرى وتحسين شبكات إمداد الكهرباء، كما تعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار للدول الفقيرة للتحول للاقتصاد والطاقة الخضراء.

وشكلت سلسلة الحرائق والفيضانات والجفاف في الصيف الماضي دافعاً وزخماً وإرادة سياسية جديدة لدى كبار الدول التي تعتمد على الفحم لاتخاذ مقاربات جديدة تعتمد على التقدم التكنولوجي للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، والتخلي تدريجياً عن الطاقة التي تعتمد على الفحم الذي يتسبب في 44% من انبعاثات الكربون على مستوى العالم، حسب دراسة نشرها كل من كريستيان بوغمانز، وكلير مينجيي لي، والتي كشفت عن أن الانبعاثات الكربونية كانت السبب المباشر في وفاة 4000 بريطاني عام 1952 في لندن، ولهذا يظل فرض ضرائب على استخدام الفحم، وفي نفس الوقت تقديم دعم لمصادر الطاقة النظيفة، مسارات تساعد في التحول بعيداً ولو تدريجياً عن الفحم.

الواضح أن التخلص من الفحم سوف يستغرق بعض الوقت، ويحتاج إلى إرادة سياسية قوية وأموال طائلة، وليس هناك وصفة جاهزة يمكن تقديمها لكل الدول، لكن المخاطر التي تحدق بالكوكب، والفرص المتاحة في الاقتصاد والطاقة الخضراء تشكل «طاقة أمل» لإنهاء العلاقة الطويلة بين البشر والفحم، والبدء في مرحلة جديدة تليق بالتحديات التي تواجه الأرض.