السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

«إيكيشيريا».. هل ترجئ «هدنة الأولمبياد» الحرب الوشيكة ؟

«إيكيشيريا».. هل ترجئ «هدنة الأولمبياد» الحرب الوشيكة ؟

تقليدٌ رياضيٌ يونانيٌ قديمٌ أحيته الأمم المتحدة لإرساء السلام. (أ ب)

يومان وينطلق حفل افتتاح أولمبياد بكين الشتوي 2022. ومعه تتعالى الأصوات المنادية باحترام تقليد «الهدنة الأولمبية» أو باليونانية «إيكيشيريا»، وتعني بالعربية حرفياً «إلقاء السلاح».

يعود التقليد اليوناني القديم إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتحديداً عام 776 ق. م. وكان يقضي بإعلان وقف كافة الأعمال العدائية قبل وأثناء فترة الألعاب الأولمبية، لضمان سلامة الدولة المضيفة وعدم تعرضها لأي هجوم، فضلاً عن تمكين الرياضيين من الذهاب والعودة بأمان.

مر التقليد على مر العصور بفترات نسيان أو تجاهل، قبل أن يتم إحياء الهدنة رسمياً بموجب قرار أممي عام 1993، بهدف حماية مصالح الرياضيين، وتعزيز مبادئ السلام في العصر الحديث.

استعداداً للحدث الرياضي الضخم، اُفتتحت، الأربعاء، في بكين جدارية «الهدنة» في مقر القرية الأولمبية، في وقت يحبس فيه العالم أنفاسه على وقع التحركات العسكرية الحدودية بين روسيا وأوكرانيا.

قبل ذوبان الجليد

ووسط تكهنات الحرب المزمعة، انبرى مراقبون في وضع تصوراتهم لمدى التزام الدولتين بالهدنة الرياضية، رغم الحديث عن أن الحرب وشيكة في فبراير «قبل ذوبان الجليد».

وركز موقع «سي إن إن» الإخباري الأمريكي على إشكالية العلاقة الروسية - الصينية، كون موسكو هي الطرف الرئيسي في الحرب، إذا ما اندلعت أثناء استضافة بكين للأولمبياد.

يقول التقرير إن من بين جميع لقاءات الرئيس الصيني شي جين بينغ مع قادة دول العالم في الافتتاح، سيكون اللقاء الأبرز مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

هل ترجئ الأولمبياد الحرب؟

ومع الوضع في الاعتبار أن موسكو وبكين تتمتعان بشراكة وثيقة متزايدة، من المتوقع أن تعقد قمة بين الزعيمين في اليوم نفسه، وهي «لحظة محورية لكلا الجانبين»، إذ يغذي حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا المخاوف من غزو وشيك، «وهو الحدث الذي سيلقي بظلاله لا محالة على اللحظة الأولمبية التي تترقبها الصين»، بحسب «سي إن إن».

لفت الموقع إلى المقاطعة الدبلوماسية للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في صورة صارخة التناقض مع دورة الألعاب الصيفية في بكين عام 2008، والتي شهدت أجواء ودية للغاية بين الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش وقادة غربيين آخرين مع قيادات الصين، وهم يبتهجون لمنتخباتهم الوطنية.

من هنا، يطرح التساؤل نفسه، إذا كانت أجواء 2008 لم تحل دون الحرب الروسية الجورجية في خضم دورة الألعاب، رغم الهدنة الأولمبية آنذاك، فهل ستشهد دورة 2022 وقفاً مؤقتاً للأعمال القتالية؟

سوابق تاريخية

كانت الأمم المتحدة قد جددت في ديسمبر الماضي تمسكها بـ«الهدنة الأولمبية» المعتادة، رغم أن السوابق التاريخية تقول إن حرب روسيا مع جورجيا وقعت أثناء هدنة ألعاب 2008، كذلك استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم كان في أعقاب الألعاب الأولمبية الشتوية الروسية في سوتشي، وكلاهما باقيان في الذاكرة السياسية.

إنها «لحظة دراماتيكية للغاية في مواجهة روسيا مع الغرب، وبطريقة ما، مواجهة الصين مع الغرب»، بحسب ألكسندر جابيف، رئيس برنامج روسيا في مركز كارنيجي للأبحاث.

الخلطة السرية

ويرجح محللون إن تحافظ الصين على نبرة داعية إلى السلام، إذا ما أتى الحديث على ذكر إجراءات روسية مستقبلية بشأن أوكرانيا. لكن الصين في الوقت نفسه تبدي تعاطفها مع موقف موسكو المطالب بضمانات أمنية قبل سحب القوات من الحدود.

صحيح أن علاقة موسكو وبكين لا تزال «بعيدة كل البعد عن تحالف عسكري رسمي»، لكن لكليهما باعٌ طويل في دعم بعضهما البعض ضد ما يتفقان على تسميته بـ«التدخلات الغربية». أضف إلى ذلك ما وصفه التقرير بـ«الخلطة السرية» لتوطيد علاقاتهما مؤخراً المتمثلة في تزامن مواجهتيهما مع واشنطن.

مصائب قومٍ

لكن آنا كيريفا، الأستاذ المساعد في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، اعتبرت أنه قد «تُظهر بكين تفهماً لمطالب روسيا الأمنية.. إلا أنها ليست لديها مصلحة حقيقية في التورط في صراعات روسيا مع الناتو». وأضافت أن صانعي السياسات في موسكو يدركون هذا جيداً.

كذلك فإن تأجج الصراع الروسي مع الغرب، سيكون من مصلحة الصين، إذ ستتعزز علاقاتهما، حال تعرضت روسيا لعقوبات غربية، ما سيزيد من رغبتها في الاعتماد الاقتصادي على الصين. وبالتالي فبكين، من هذه الزاوية، ستكون مستفيدة أيضاً لصرف التركيز الأمريكي عن المنافسة مع الصين.

ومن وجهة نظر روسية، قد تخشى موسكو «حساسيات الصين» عندما يتعلق الأمر بتنظيم حفل الافتتاح والحدث الرياضي بأكمله، بحسب «سي إن إن»، التي أضافت «لا تريد روسيا أن تسرق الانتباه من اجتماع بوتين مع الرئيس الصيني، والذي سيمرر رسالة بأنها ليست وحدها، وبأن لديها شريكاً عالمياً قوياً».

حلقة مفرغة

من جانبه، نشر موقع قناة «سي جي تي إن» التلفزيوني الصيني مقالاً لدانيل بوشكوف، خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، قال فيه «يبدو (السجال الأمريكي الروسي) كحلقة مفرغة.. وكي لا يغلق الباب تماماً.. من المرجح أن تحد الولايات المتحدة من تأثير التدابير العقابية على موسكو، بحيث لن يسهم ذلك في خفض التصعيد، بل سيؤدي على الأقل إلى ردع موسكو» عن اتخاذ أي خطوات ضد أوكرانيا.

وأضاف بوشكوف «وسط الرياح الجيوسياسية المعاكسة حالياً، نعلق الأمل في أن تغرس الهدنة الأولمبية.. الهدوء في نفوس زعماء العالم، لتفادي السيناريو الأسوأ».

مخاطر الصراع

كان الموقع الإلكتروني الإخباري الصيني «جلوبال تايمز» أشار إلى إنه مع توافد الرياضيين العالميين إلى بكين، للمشاركة في «أجواء البهجة»، تظل مخاطر الصراع على الحدود الروسية - الأوكرانية قائمة.

واعتبر تقرير «جلوبال تايمز» أن الأجواء المتوترة الراهنة تذكر بالحرب الروسية - الجورجية عام 2008، حيث نسف الصراع مبدأ «لا للحرب، السلام فقط» المصاحب تاريخياً للحدث الرياضي العالمي.

ونقل التقرير عن يانغ جين، الباحث في معهد الدراسات الروسية وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، قوله إنه «ما لم يتم وضع آلية فعالة للسيطرة على المخاطر، فسيكون من الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأزمة». وشدد على ضرورة منع سيناريو مماثل لـ 2008.

ظاهر الأزمة وجوهرها

في هذا السياق، رأى يانغ شي يو، الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية، أن هدف واشنطن من حث بكين على استخدام «نفوذها» هو إقناع روسيا بالتراجع عن قضية أوكرانيا، لكنه استدرك أن الصين «ببساطة لا تستطيع فعل ذلك، لأن الحل الأمريكي لأزمة أوكرانيا كان غير ذي جدوى».

واعتبر يانغ شي يو أن الصراع مزدوج، ظاهره روسي - أوكراني، وجوهره «جيوسياسي أوروبي». وأفاد بأن التساؤل حول ما إذا كانت هناك حرب عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وهو في الأصل تساؤل عما إذا كانت هناك حرب نووية بين روسيا وأمريكا.

على الصعيد نفسه، وبحسب لو شيانغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن الولايات المتحدة إذاً «قد تستخدم الصراع الجيوسياسي لإضعاف الوحدة الأولمبية، وتأجيج نيران الصراع الروسي الأوكراني المحتمل». ولم يستبعد الباحث أن تثير الولايات المتحدة ـ بالمثل ـ مشاكل في بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان.