الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

«تأثير الفراشة»: بعد الحبوب والغذاء.. الغزو الروسي المزمع يطال سوق الرقائق

«تأثير الفراشة»: بعد الحبوب والغذاء.. الغزو الروسي المزمع يطال سوق الرقائق

(رويترز)

بينما تتأهب الأسواق منذ أسابيع لحرب محتملة في أوكرانيا تدفع أوروبا إلى أزمة إمدادات اقتصادية كبيرة، بدا في الأفق السياسي أن روسيا تتبع نهج «حافة الهاوية»، بإعلان الكرملين، الثلاثاء، أن بعض القوات في المناطق العسكرية المجاورة لأوكرانيا باشرت العودة أدراجها إلى قواعدها، بعد استكمال تدريبات مشتركة مع بيلاروسيا.

خطوةٌ من شأنها تخفيف حدة الخلاف الذي بلغ ذروته بين موسكو والغرب، كما أنها تنزع فتيل الأزمة قبل 24 ساعة فقط، من موعد افتراضي وضعه الغرب لغزو روسي مزمع في الأراضي الأوكرانية، التي دعا رئيسها إلى حالة تعبئة عامة واعتبار الأربعاء 16 فبراير «يوم وحدة»، برفع العلم الوطني من الشرفات والمباني، وترديد النشيد الوطني جماعياً، في العاشرة صباح غدٍ بالتوقيت المحلي لأوكرانيا.

الرقائق

الإعلان عن عودة القوات إلى ثكناتها سينعكس على الأرجح إيجاباً في الأسواق، التي تضررت فعلياً بمجرد التكهنات بشن الحرب التي لم خطرها بعد. على سبيل المثال، أشارت مجلة «فورتشن»، عبر موقعها الإلكتروني المتخصص في التقارير المالية والنقدية، إلى أنه كما كان نقص رقائق أشباه الموصلات قد أدى إلى شل أجزاء من الاقتصاد العالمي، قبل بضعة أشهر، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا -حال وقوعه- سيجعل الأمر أسوأ بكثير.

وأوضحت أن النقص في الإمدادات العالمية لأشباه الموصلات كان قد بدأ لتوه في التراجع، لكن التوترات السياسية ألقت بظلالها القاتمة على هذا القطاع الصناعي على نحو قد يمتد إلى العام المقبل، وقال التقرير إن القوتين المتصارعتين، روسيا وأوكرانيا، تعدان «مصدرين رئيسيين» لاثنين من المواد الخام غير المعروفة، لكن الأساسية في صناعة رقائق الكمبيوتر.

تناول التقرير بالشرح كيف أن أوكرانيا تعتبر مصدراً رئيسياً لـ«غاز النيون عالي النقاء اللازم لأنواع الليزر المستخدمة في حفر تصاميم دوائر رقائق السيليكون»، كما أن روسيا هي المنتج الأول عالمياً لمادة «البلاديوم» الضرورية للعديد من شرائح الذاكرة وأجهزة الاستشعار.

الموقف خطير لدرجة أن البيت الأبيض أجرى مؤخراً اتصالات بشركات رائدة في مجال أشباه الموصلات والتكنولوجيا، لتحذيرها من اضطرابات سلاسل التوريد المحتملة في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولحثها على البحث عن مورد بديل.

لفت التقرير إلى أنه في المرة الأخيرة التي غزت فيها روسيا أوكرانيا عام 2014، ارتفع، بين عشية وضحاياها، سعر النيون بنسبة وصلت إلى 600%، تسبب ذلك في إحداث فوضى في صناعة أشباه الموصلات، وهو المتوقع حدوثة أيضاً هذه المرة، ومنذ ذلك الحين، حاول صانعو الرقائق تنويع مصادر الدول الموردة التي يشترون منها الغاز، غير أن أوكرانيا لا تزال مورداً رئيسياً.

سوق الحبوب

ومع وصول التوترات السياسية إلى ذروتها بين روسيا وأوكرانيا، أكبر مُصدرين للقمح، ومع استمرار مخاوف تقلبات الطقس في أمريكا الجنوبية، تصاعدت المخاوف حول رد فعل الصراع على سوقي الحبوب والذرة، وقال موقع «أجريكالتشر دوت كوم»، المتخصص في الشؤون الزراعية، إن المتداولين قلقون للغاية من البيع في سوقي الحبوب والذرة، مع وجود هذا القدر من المخاطرة.

وعلى موقع «آيريش إكسبلينير»، جاء في تقرير أن اندلاع الصراع من شأنه أن يؤثر لا على القمح فحسب، بل على الأسمدة والغذاء والطاقة، وقال محللون إن «العقوبات (التي قد يفرضها الغرب على روسيا) ستؤدي إلى نقص في الغذاء والطاقة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارهما»، وتعد روسيا واحدة من أكبر الدول المصدرة في العالم لجميع المجموعات الرئيسية الثلاث للأسمدة. وقد يؤدي أي خفض في العرض إلى ارتفاع أسعار الأسمدة، مما سيؤثر على غلة المحاصيل، ويؤدي إلى مزيد من التضخم.

كذلك، أدى التوتر طوال الأسابيع والأشهر الماضية إلى ارتفاع أسعار المواد الخام الأساسية للاقتصاد العالمي، وزيادة الضغط على الحكومات التي تكافح فعلياً منذ أشهر لاحتواء تبعات ارتفاع التضخم.

وقال التقرير إن النفط الخام يقترب من 100 دولار للبرميل، والغاز في أوروبا ارتفع الاثنين، أما الألومنيوم فيتجه نحو مستوى قياسي مرتفع، كما ارتفع البلاديوم بدوره، فيما يستمر القمح آخذاً في ارتفاعه، وتحدث التقرير نقلاً عن محللين في هذا السياق عما يعرف بـ«تأثير الفراشة» خلال الأزمة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وتضاعف مشاكل العرض، أما أحد أكبر التأثيرات حتى الآن فكان على أسواق الغاز في أوروبا.

يستخدم المصطلح العلمي «تأثير الفراشة» للتعبير عن مدى ما قد تُسببه واقعة صغيرة في سلسلة من الأحداث «الفوضوية»، إذا ما رافقتها ظروف بعينها. «أي إن رفرفة جناح فراشة في البرازيل، يمكنها نظرياً التسبب في إعصار يضرب وسط غرب أمريكا» بشكل يصعب التكهن به. ويقابل «تأثير الفراشة»، مصطلح «نظرية الدومينو»، والفارق بينهما هو «الفوضى»، إذ يمكن التنبؤ بتبعات الأحداث بشكل منطقي، وفقاً للنظرية الثانية، التي طُرحت كمصطلحٍ من قِبل السياسيين.

المواد الغذائية

كذلك، يمكن أن يكون ارتفاع أسعار المواد الغذائية ضحية كبيرة، فأوكرانيا وروسيا يشكلان معا القوة الضاربة في تجارة القمح والذرة وزيت عباد الشمس، مما سيجعل المشترين من قارة آسيا إلى أفريقيا والشرق الأوسط عرضة للخبز واللحوم الأكثر كلفة حال تعطلت الإمدادات، وهو ما من شأنه أن يضيف إلى تكاليف السلع الغذائية.

كانت أسعار القمح قد قفزت بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، رغم أن عمليات الشحن لم تتأثر بشكل كبير، ويضاف إلى قلق التجار اليوم مخاطر تعطل الصادرات الروسية من المعادن، مثل الألومنيوم والنيكل والبلاديوم.

ألقت تلك المخاوف الضوء على حجم اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا في قطاع الزراعة، بحسب تقرير نشره موقع «بي إن إي إنتلنيوز»، الذي قال إن أي تصعيد للنزاع في منطقة دونباس الأوكرانية سيؤدي إلى إحداث «فوضى» في سوق المواد الغذائية في أوروبا بأكملها، وحال توقف الموانئ الجنوبية لأوكرانيا، ستتوقف الكثير من صادراتها من الحبوب.

وأشار التقرير إلى أن روسيا وأوكرانيا تمثلان ما يقرب من 30% من صادرات القمح والشعير في العالم، فيما يعتمد إنتاج الأسمدة الأوروبية بشكل كبير على الغاز الروسي، لذا فإنه ما لم يتم تطويق الأزمة وضمان نزع فتيلها، فإن كل هذه المخاوف ستثير «حالة من عدم اليقين بالنسبة للأمن الغذائي الأوروبي» بأكمله، والذي سيمتد إلى سائر أنحاء العالم ومختلف القطاعات.. بفعل «تأثير الفراشة».