الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

«تدمير متبادل».. هل تسعى الصين إلى سيناريو أوكرانيا في تايوان؟

«تدمير متبادل».. هل تسعى الصين إلى سيناريو أوكرانيا في تايوان؟
بحر الصين الجنوبي ورقة قومية أمريكية في حربها الباردة مع الصين

ثقة الصين في ضم تايوان مستقبلاً يجعلها تتعامل باستراتيجية بعيدة المدى

واشنطن ستتخذ موقفاً صارماً من بكين حفاظاً على هيبتها


يترقب العالم الأزمة الأوكرانية بحذر شديد، وسط ترامي الاحتمالات إلى إمكانية فرض مزيد من التعقيدات على المشهد، حال أقدمت الصين على عملية عسكرية في تايوان في تكرار لسيناريو حليفتها الاستراتيجية روسيا. تلك الاحتمالات التي تبدو مستبعدة خلال الوقت الراهن، لا سيما أن الصين لا تسعى إلى تطبيق نظرية «التدمير المتبادل» في علاقاتها الخارجية عكس دول أخرى، على الأقل حتى تصل إلى الاستحواذ على عناصر القوة المختلفة خاصة العسكرية والتكنولوجية وفق استراتيجية تعمل عليها حتى 2050.


محور توازن

وقال الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء دكتور محمد صالح، إن تايوان تعد أحد مراكز الصراع بين أمريكا والصين في منطقتي شرق وجنوب بحر الصين، مشيراً إلى أن واشنطن ترى بحر الصين، بمثابة ورقة قومية استراتيجية متوافق عليها من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في ظل حالة الحرب الباردة بين البلدين، داخل الممرات الحيوية جنوب بحر الصين التي تمر خلالها ثلث التجارة العالمية، بما يقدر بنحو 5.3 تريليون دولار (تتعدى حصة أمريكا منها 25%) لافتاً إلى سعي كل من الصين والولايات المتحدة خلال الأزمة الأوكرانية إلى إثبات كونهما محور توازن، خاصة بعد امتناع الصين عن التصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا داخل مجلس الأمن.

وأكد صالح أن إشعال حرب جديدة في الصين، وتحديداً داخل بحر الصين الجنوبي، سيكون بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، في وقت لا يحتمل تعدد الصراعات، لافتاً إلى أن تزامن بؤرتي صراع خلال الوقت الراهن، إذا ما حاولت الصين ضم شبه جزيرة تايوان، يربك العالم سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً.

وتوقع ألا يسلم النظام العالمي حال حذت الصين حذو روسيا فيما يخص تايوان، مستبعداً أن تفعل ذلك خاصة أنها تعد من أكبر المستثمرين في سوق السندات الأمريكية بأكثر من تريليون دولار، بالإضافة إلي كونها الشريك التجاري الأول لأوروبا، ما يضعف من احتمالية أن تعادي أوروبا (الشريك التجاري الأول) وأمريكا (الشريك التجاري الثاني)، مشدداً على ضرورة إيجاد حلول دبلوماسية لكافة المشاكل العالقة لضمان استقرار الأوضاع العالمية.

أزمة مع الناتو

بدوره، أشار مدير مركز الحوار الروسي العربي في سانت بطرسبورغ، دكتور مسلم شعيتو، إلى أن الأزمة الحالية ليست بين روسيا وأوكرانيا بل أزمة بين روسيا وحلف الناتو، الذي تمدد شرقاً، وعمد إلى دعم السلطات الانقلابية في أوكرانيا والنازيين الجدد، لافتاً إلى أحقية روسيا في التحرك للدفاع عن تلك المناطق كونها مناطق روسية.

وأشار إلى أن العملية الروسية رداً على تدخلات الناتو تعمل على إعادة تموضع أوكرانيا بأن تصبح دولة محايدة، وجارة طبيعية لروسيا تستفيد منها وتتعاون معها في مجالات عدة، مشدداً على أننا سنشهد عالماً مختلفاً في أعقاب العملية العسكرية في أوكرانيا، تختفي خلاله القطبية الواحدة.

ولفت إلى أن الصين تتعامل بهدوء فيما يخص قضية تايوان، متوقعاً تجنب التصعيد باتجاه تايوان خلال الوقت الراهن نتيجة للعملية الروسية في أوكرانيا، لا سيما أن طبيعة التخطيط الصيني يعتمد على الدراسة الجيدة على مدى فترات زمنية طويلة، مؤكداً أن روسيا لم تقدم على عمليتها ضد أوكرانيا فوراً بل جاء بعد 8 سنوات انتظرت خلالها تنفيذ اتفاق مينسك، الأمر الذي لاقى تجاهلاً من أوكرانيا والدول الأوروبية، بل عمدت الأخيرة إلى تسليم أسلحة متطورة إلى أوكرانيا، الأمر الذي أجبر بوتين على التحرك للدفاع عن منطقتي دونيتسك، ولوغانسك، معتقداً أن تفتح تلك الخطوة المجال أمام نقاش دبلوماسي حاد يغير وجه العالم فيما بعد.

محاصرة الصين

في السياق ذاته أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميريلاند بواشنطن سابقاً، دكتور نبيل ميخائيل، إلى أن الصين لن تقدم على خطوة مماثلة والاعتداء على تايوان، لا سيما أنها لا تعلم نتيجة العمل الروسي في أوكرانيا، مشيراً إلى أن الصين ستعمل على مساعدة روسيا اقتصادياً وتعويض خسائرها جراء العقوبات الاقتصادية الغربية، مؤكداً أن أمريكا ستتعمد اتخاذ موقف صارم تجاه الصين إذا ما أقدمت على غزو تايوان للمحافظة على هيبتها ونفوذها أمام العالم.

وأكد ميخائيل أن رغم الخلافات التاريخية بين الصين وتايوان إلا أن الوضع الحالي بين البلدين يشهد استقراراً نسبياً، منوهاً بأن أمريكا ستعمل مع حلفائها في آسيا (كوريا الجنوبية- تايوان- اليابان- الفلبين- إندونيسيا) على محاصرة الصين استعداداً للمواجهة المحتملة، إذا ما اتخذت أي خطوات سواء في شرق آسيا أو بحر الصين الجنوبي أو غيرها من المواقع، متوقعاً أن تبقى الأمور على ما هي عليه لفترة قد تمتد لسنوات.

استعادة تايوان

ويرى رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، المتخصص في الشأن الصيني، عماد الأزرق، أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تقدم غطاءً مثالياً للصين لاستعادة تايوان حال توافرت الرغبة والإرادة السياسية لذلك، إذ إنها تقدم سابقة مهمة وحية في العلاقات الدولية، بعد موقف المجتمع الدولي الذي فضل عدم التدخل الفاعل لحل الأزمة عسكرياً، بعدما ساق بوتين مبرر الغزو عندما نوه إلى الغزو الأمريكي للعراق ويوغسلافيا والتدخل الأمريكي في سوريا بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

مكاسب كبيرة

وأكد أن الصين ما زال أمامها وقت طويل وخطوات كثيرة للاستحواذ على عناصر القوة المختلفة خاصة العسكرية والتكنولوجية وفق استراتيجية تعمل عليها حتى 2050، لافتاً إلى أنه من الصعب أن تُقدم الصين على ضم تايوان قبل ضمان تحقيق تلك الاستراتيجية، منوهاً بأن العملية الروسية في أوكرانيا يحقق للصين العديد من المكاسب بالغة الأهمية، أهمها؛ إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد بصورة أسرع، لتؤكد نهاية نظام القطب الواحد وبزوغ نظام عالمي متعدد الأقطاب ما يمهد لبزوغ نجم الصين كقطب دولي، لا سيما أن الحرب كشفت هشاشة الاتحاد الأوروبي وعجزه عن دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وبالتالي خروجه بشكل كبير من معادلة القوى الدولية الكبرى، وما ترتب عليه من بروز ضعف التنسيق والتعاون الأورو-أمريكي في هذه الأزمة، لافتاً إلى أن تلك الحرب قد تكون المسمار الأول في نعش حلف الناتو، إذ ستفكر أي دولة ألف مرة قبل اتخاذ القرار بالانضمام إليه بعدما تعرضت له أوكرانيا على مرأى ومسمع من قوات الحلف التي على مرمى حجر من أوكرانيا، الأمر الذي ينطبق بدوره على التحالفات التي عمدت الولايات المتحدة على تشكيلها خلال الفترة الماضية في آسيا والمحيط الهادئ، مثل «كواد» و«أوكوس» والموجهة بالأساس إلى الصين.

وأكد أن أمريكا ستقف مكتوفة الأيدي إذا رغبت الصين في ضم تايوان، كحالها مع أوكرانيا وستكتفي بطمأنة حلفائها بالمنطقة، اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند، ولن تدخل في مواجهة مع الصين من أجل تايوان، غير أن الصين تسعى إلى ضم تايوان بدون تدخل عسكري على الأقل خلال الوقت الحاضر.