الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

«قاتل صامت» .. مختبرات أمريكا البيولوجية في فراغ الاتحاد السوفيتي

«قاتل صامت» .. مختبرات أمريكا البيولوجية في فراغ الاتحاد السوفيتي

برنامج أمريكي يرعى مختبرات محظورة في مدن فينيتسا ولفيف وخيرسون وأوديسا

واشنطن تنشر 200 مختبر سرِّي على حدود روسيا والصين وفي أوروبا وأفريقيا

باراك أوباما نقل 60 عيَّنة من الأوبئة الخطيرة للمركز الطبي العسكري الأمريكي

«البنتاغون» موَّلت مختبراً «مزدوج الأغراض» في كازخستان بـ5.6 مليون دولار

الـCIA عيَّنت رئيس استخبارات جورجيا السابق مديراً لمختبر أمريكي قرب تبليسي

الاستخبارات الروسية تكشف 4 أغراض عسكرية أمريكية للمختبرات البيولوجية

تشتعل معارك غير تقليدية على الجبهة الأوكرانية ذاتها؛ ربما كانت سبباً في وصفها من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«الخاصة»، واعتبرها وزير خارجيته سيرغي لافروف «حائط دخان» تهدف موسكو من خلاله إلى السيطرة على مختبرات بيولوجية أمريكية على حدود بلاده مع جارتها الغربية.وفي حين انضمت الصين إلى المنحى الروسي، واعتبرته تهديداً أمريكياً غير جديد لحليف استراتيجي في أوروبا الشرقية؛ قللت دوائر إعلام أمريكية وأوروبية من أهمية «الادعاءات الروسية والصينية»، ونعتتها صحيفة «فورين بوليسي» بـ«حملات تضليل»، يقتصر هدفها على تبرير غزو أوكرانيا وتمزيق أوصالها. وذهبت الصحيفة في تقريرها إلى أبعد من ذلك، مؤكدة اعتماد نظرية المؤامرة الروسية– الصينية على معلومات تداولها حساب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بعنوان @WarClandestine، جرى تعليقه بعد نشر تلك المعلومات بفترة وجيزة، لكن تقريره انتقل إلى الأرشيف قبل حظر الحساب، ما حدا بتداوله على نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضية. وبعيداً عن تصريحات لافروف التي أكد فيها إشكالية المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا، أوضح تقرير «تويتر» وجود عدد هائل من المختبرات الأمريكية في أوكرانيا تحت رعاية برنامج «الحد من التهديدات البيولوجية» التابع للخارجية الأمريكية؛ وهي مبادرة تتعاون فيها الولايات المتحدة مع دول أخرى من أجل «مواجهة انتشار أوبئة معدية بالغة الخطورة». وتتجسد أولوية البرنامج الأمريكي لدى أوكرانيا في «تأمين البلاد من العوامل التي تشكل مصدر قلق أمني، وضمان استباقية الكشف عن الأوبئة قبل تفشيها والإبلاغ عنها»، حسب بيان يتضمن هذا المعنى على موقع سفارة واشنطن لدى كييف.

مبالغة أمريكية

بينما تفيد معلومات بعيدة عن قنوات إعلام معسكر الغرب، أن الولايات المتحدة بالغت في توسيع نطاق برنامجها البيولوجي في أوكرانيا؛ وفي 2019 فقط، أقامت مختبرين في مدينتي كييف وأوديسا، وهما المدينتان اللتان بادرت روسيا بقصفهما مع بداية عملياتها العسكرية في أوكرانيا؛ بالإضافة إلى مختبرات أمريكية أخرى في مدن وضواحي فينيتسا، ولفيف، وخيرسون، وتيرنوبيل، ومناطق أخرى محاذية لحدود شبه جزيرة القرم.

بالإضافة إلى خرائط أخرى تربط بين القصف الروسي ومواقع مختبرات بيولوجية أمريكية في أوكرانيا، خرج التقليل من اتهامات روسيا للولايات المتحدة عن طور «نظرية المؤامرة»، أو «معلومات مواقع التواصل الاجتماعي»، حين تبيَّن قلق موسكو وكذلك بكين من الممارسات الأمريكية في أوكرانيا وفي دول أخرى محيطة بروسيا؛ فخلال العام الماضي 2021، حذر أمين عام مجلس الأمن الفيدرالي الروسي نيكولاي بتروشوف من مؤشرات واضحة على تطوير الولايات المتحدة أسلحة بيولوجية في مختبرات على حدود أوكرانيا مع بلاده.

وأضاف المسؤول الأمني الروسي، حسب ما نقلته عنه في حينه صحيفة «روسيا بيوند» الرسمية أن «واشنطن تطور في مختبراتها بأوكرانيا أوبئة خطيرة يمكن استغلالها لاحقاً في أغراض عسكرية أو سياسية ضد روسيا». وفي تصريحات مناظرة في يوليو العام ذاته، قال بتروشوف: «تعكف الولايات المتحدة على تهديد روسيا والصين ببناء مختبرات بيولوجية، ولا ندري ما يجري بين حوائط تلك المختبرات؛ لكن المختبرات تذكرنا بنشاط الولايات المتحدة العسكري البيولوجي في مختبرات مناظرة بولاية مريلاند على مدار عشرات السنين».

بيان مشترك

وفي أكتوبر الماضي، دعت روسيا والصين في بيان مشترك الأمم المتحدة إلى «فرض رقابة على عمليات تطوير محتملة لأسلحة بيولوجية أمريكية؛ وتضمن نص البيان أنه «في ضوء التقدم السريع في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وزيادة قدرات استغلالها، تتزايد مخاطر اعتماد الولايات المتحدة على مواد بيولوجية وتحويلها إلى سلاح فتَّاك».

وسعت روسيا والصين من خلال البيان وغيره إلى لفت الانتباه لأنشطة الولايات المتحدة العسكرية البيولوجية وحلفائها، لا سيما في ظل معلومات تؤكد نشر واشنطن ما يربو على 200 مختبر بيولوجي خارج أراضيها، وأن تلك المختبرات تعمل في صمت تام، وبعيداً عن أية شفافية، فضلاً عن إثارتها مخاوف وعلامات استفهام لدى المجتمع الدولي حول موقف معاهدة BWC لمنع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية من بيان روسيا والصين أمام الأمم المتحدة.

وفي أبريل 2014، كشفت تقارير صحفية عن بناء وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» مختبراً بيولوجياً «مزدوج الأغراض» في كازخستان، وأن واشنطن رصدت لبناء المختبر 5.6 مليون دولار، لاستكمال منظومة منشآت مناظرة، يقيمها «البنتاغون» على امتداد الحدود الروسية. وعلقت موسكو على التقرير بتأكيد أن الممارسات الأمريكية تمثل تهديداً مباشراً على الفيدرالية الروسية ودول وسط آسيا.

شبكة تهديدات

وسواء كانت المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا أو كازخستان، فجميعها، حسب حكومة موسكو تهدد الفيدرالية الروسية، وتعكس إلى حد كبير شبكة تهديدات واشنطن في شرق أوروبا وآسيا. وترسيخاً للمعتقد الروسي ونظيره الصيني، كان السيناتور الأمريكي الراحل ريتشارد لوغر، المقرب جداً حينئذ من قيادات «البنتاغون» هو الأب الروحي للمختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا وجورجيا أيضاً؛ وفي الماضي كان واحداً من أعضاء الطاقم الأمريكي المكلف بتفكيك المنشآت النووية السوفييتية في كازخستان ودول الكومنولث الأخرى؛ لكن نشاطه أصبح أكثر كثافة في مجال السلاح البيولوجي، خاصة في أوكرانيا وجورجيا.

وفي مقال تحليلي مطول، قالت صحيفة «أرغومنتي إي فاكتي» الأسبوعية الروسية إن «ممارسة الأمريكيين لهذه الأنشطة في دول أخرى، يؤكد أنهم يعملون خلف أبواب مغلقة، وعادة ما يقودهم «البتتاغون»، أو الأجهزة الاستخباراتية، التي سبق أن عيَّنت رئيسة الاستخبارات الجورجية السابقة آنا زافبانيا، رئيساً لمختبر بيولوجي أمريكي في مقاطعة «أليكسيفكا» المتاخمة للعاصمة تبليسي؛ بالإضافة إلى استعانة الأمريكيين في المختبرات ذاتها بمستخدمين أجانب، لا سيما أولئك الذين يتمتعون بحصانة دبلوماسية، في المقابل تمنع تعليمات «البنتاغون» دخول أو حتى اقتراب ممثلي الصحة المدنية المحلية من تلك المنشآت».

مهام عسكرية

وترى تقديرات استخباراتية في موسكو أن وجود المختبرات البيولوجية على حدود روسيا، يساعد الولايات المتحدة في تنفيذ عدة مهام عسكرية في آن واحد. أولها: إمكانية إجراء بحث بيولوجي عسكري (بما في ذلك فحص بيئة أنواع الأوبئة) خارج حدود الولايات المتحدة، ودون تحسب لتظاهرات أمريكية، تناوئ تنفيذ تلك الخطوات. ثانياً: تعد المختبرات فرصة جيدة لالتفاف الولايات المتحدة على الاتفاقيات الدولية، خاصة معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية والسامة، التي وقعتها في 1972. ثالثاً: قد تساهم الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأوبئة الولايات المتحدة في خلق بيئة موبوءة بغرض هزيمة نمط وراثي معين، أو محو عالم حيواني، أو مجموعة سكانية في منطقة بعينها. وفي صيف 2013، أعلن رئيس الجمعية الفيدرالية الروسية غينادي أوتشنسنكو صراحة أن «طاقم المختبر البيولوجي الأمريكي في جورجيا، يعكف على إعداد برامج هجومية فاعلة ضد روسيا».

رابعاً: تمكن المختبرات البيولوجية الولايات المتحدة من إجراء عمليات فحص محظورة لأكثر من موقع من خلال عملاء بيولوجيين عبر مراقبة السموم، وحالات الوفيات، وكل ما يتعلق بعمليات التطبيق المحتملة. ولا يستبعد خبراء معهد أبحاث الميكروبيولوجي في وزارة الدفاع الروسية ضلوع المختبرات البيولوجية الأمريكية في جورجيا أو أوكرانيا على وجه التحديد في انتشار أمراض غير نمطية جنوب روسيا عام 2013، لا سيما «التهاب السحايا» الذي أصبح الأكثر تفشياً بين الأطفال في مدينة روستوف، و«حمى الخنازير الأفريقية» في شمال منطقة القوقاز.

الأكثر من ذلك، وحسب تقارير صحفية، جرى نقل العديد من الأوبئة المخلَّقة في المختبرات البيولوجية بدول الاتحاد السوفييتي السابق إلى المركز الطبي العسكري الأمريكي. وسمحت أذربيجان عام 2005 بنقل ما يربو على 60 عينة من الفيروسات الخطيرة إلى المركز الطبي العسكري ذاته مقابل الحصول على مساعدات أمريكية؛ ولعب السيناتور ريتشارد لوغر، ونظيره فلوتر ريد، وكذلك السيناتور باراك أوباما دوراً كبيراً في إبرام تلك الصفقة، وواصل الأخير بعد أن أصبح رئيساً للبيت الأبيض تمويل برامج من هذا النوع نزولاً على أوامر «البنتاغون» بهذا الخصوص.

يأجوج ومأجوج

إجمالاً، حسب معلومات صحيفة «أرغومنتي إي فاكتي» الروسية، أقامت الولايات المتحدة خلال العقود القليلة الماضية شبكة متشعبة من المختبرات البيولوجية العسكرية في مختلف أنحاء العالم، خاصة في أوروبا، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا. وفي فراغ الاتحاد السوفييتي السابق، فتح الأمريكيون عديد المختبرات في أوكرانيا وجورجيا، بالإضافة إلى تطوير محطات بيولوجية صغيرة لدى أذربيجان، وأوزبكستان. ومن المرجَّح أن يكون المختبر البيولوجي الأمريكي الذي جرى بناؤه في كازخستان قبل عدة أشهر قد تم ضمه إلى منظومة مختبرات المنطقة ذاتها.

رغم ذلك، تصف تقارير أمريكية استخدام سلاح بيولوجي في حرب وشيكة سواء مع روسيا أو غيرها بـ«حرب يأجوج ومأجوج»؛ وفي 27 يناير 2000، حاولت شبكة ABC الأمريكية الإجابة عن سؤال: هل تواجه الولايات المتحدة فرضية اندلاع حرب بيولوجية؟ وفي إطار ترويجها لجدية السؤال والإشكالية، نشرت خبراً كاذباً يفيد باعتزام متطرفين إلقاء «جمرة خبيثة» على مسار مترو أنفاق إحدى الولايات الأمريكية غير المحددة، وهو ما يؤدي، وفق تقديرات متخصصة إلى مقتل 50 ألف شخص أسبوعياً. ورغم حالة البلبلة التي أثارها الخبر الكاذب، إلا أن الشبكة اعترفت بتلفيقه، واعتبرته مناظراً لخبر إذاعي مماثل للمذيع الشهير أورسون ويلز، الذي ادعى احتمالية تعرض الولايات المتحدة لهجوم من الفضاء الخارجي عام 1938.

وفي حين أبدى الأمريكيون سخطاً من أسلوب الشبكة السخيف، واعتبروه مسرحية حمقاء، تعامل وزير الدفاع في حينه وليام كوهين بجدية مع السؤال والإشكالية برمتها، وقال حينها: «لا تنطوي القصة المثارة على مبالغة». بينما أدرج رئيس المباحث الفيدرالية الأمريكية الـ«FBI» لوي بري في تصريحات أمام مجلس الشيوخ الأسلحة البيولوجية ضمن قائمة الأسلحة غير التقليدية، التي قد يستخدمها متطرفون في الهجوم على الولايات المتحدة. لكن روسيا وكذلك الصين، تعاملت مع خبر ABC الكاذب وتعليق وزير الدفاع وليام كوهين عليه على أنه «مسرحية هزلية»، تستهدف غض الطرف عن الممارسات الأمريكية في هذا الخصوص في مختلف أنحاء العالم، حسب الصحيفة الروسية.