الاثنين - 13 مايو 2024
الاثنين - 13 مايو 2024

«شبح كييف»..الحقيقة الضحية الأولى في الصراعات العسكرية

«شبح كييف»..الحقيقة الضحية الأولى في الصراعات العسكرية
وسائط الإعلام الجديدة تزيد من حجم انتشار الأخبار المضللة

غياب المصادر على أرض الواقع يجعل المُشاهد العربي فريسة للوكالات الأجنبية

تقلص الفرص أمام المحللين السياسيين لرسم صورة ما يحدث على الأرض


انتشرت العديد من الأخبار والقصص الكاذبة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في إطار الحرب الإعلامية بين الطرفين، ما بين معلومات مضللة وفيديوهات وصور مفبركة، كشفت عنها بعض وسائل الإعلام، في أمر وصفه خبراء إعلام تحدثوا لـ«الرؤية» بأنه وسيلة متعارف عليها يتم استخدامها منذ القدم بهدف التضليل والخداع.


وأعلنت روسيا قبل أيام عن قصة «شبح كييف» وهي قصة تتحدث عن مقاتل طيار أوكراني يُقال إنه أسقط بمفرده 6 طائرات روسية منذ بدء الغزو، والذي اتضح في النهاية أنه جزء من لعبة معروفة، فضلاً عن انتشار خبر كاذب جرى تداوله عن مقتل 4 آلاف جندي روسي على مدار الأربعة أيام الأولى من الحرب، وغيرها من القصص والفيديوهات المفبركة.

أصول قديمة

يقول الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبدالعزيز، إن الأخبار المضللة جزء من الصراعات العسكرية منذ بداية التاريخ، وفي الحرب العالمية الأولى كانت هناك شكوى من أن الأخبار المضللة أفقدت الناس القدرة على معرفة تطورات الحرب في الفترة من 1914 وحتى 1918، فالفكرة ليست جديدة، حيث إن الأخبار المضللة هي رفيق دائم للصراعات العسكرية، تحقق للدول عدداً من الانتصارات، وتكون قادرة على إحداث تقدم تكتيكي، لكن خلال الحرب الروسية الأوكرانية زاد حجم انتشار الأخبار المضللة، وزاد تأثيرها بسبب الوسائط الجديدة المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، فهي جزء من الحرب والمجال الإعلامي المواكب لها.

حرب نفسية

وأشار عبدالعزيز إلى أن كلاً من روسيا وأوكرانيا استخدما في حربهما الأخبار المضللة، بوسائل عديدة، حتى انحرفت فكرة العديد من القطاعات الجماهيرية عن الحرب بسبب هذه الأخبار، لكن الجانب الجديد في هذه الحرب هي إجراءات التعتيم والتقييد التي اتخذتها الدولتين، أو الجانبين بمعنى أصح؛ لأن الغرب موجود بشكل كبير في هذه الأزمة، إلى جانب التضليل عبر نشر الكثير من الفيديوهات المضللة.

وأضاف عبدالعزيز في تصريحات لـ«الرؤية»، أن الجانبين اتخذا قرارات منها الغلق والحظر والحجب، وأيضاً فرض العقوبات الجنائية، وأحياناً القصف المباشر، حيث قامت روسيا بغلق ووقف بث وسائل إعلام مثل روسيا اليوم، وسبوتنيك، وحظر دويتش فيلله في روسيا، وحظر «بي بي سي»، و«سي بي سي الكندية»، فضلاً عن تغيير روسيا القانون الجنائي، وتحديد عقوبة تصل إلى الغرامة والسجن 15 سنة على من ينشر أخباراً مضللة، وهناك أيضاً قصف مثل قصف إحدى قنوات البث التلفزيوني في أوكرانيا، فهذه الحرب زادت مع الحظر والحجب وفرض العقوبات الجنائية، مضيفاً أن بيئة المعلومات في هذه الحرب ليست جيدة، بل مكتظة بالأخبار المضللة والتعتيم والرقابة، وبسبب التفوق الإعلامي الغربي الكاسح، فروسيا خسرت معركة الصورة الذهنية، حيث لا يوجد تكافؤ في القوى بين الجانبين من الناحية الإعلامية.

حرب الإعلام

يقول أستاذ الإعلام جامعة القاهرة، الدكتور أيمن منصور، إنه ما تم خلال هذه الحرب الروسية الأوكرانية إعلامياً هو نفس ما شاهده في حرب العراق عام 1990، ونفس ما تم في حرب العراق 2003، وكذلك حرب أفغانستان، بمعنى سيطرة جهة معينة على كل الأخبار العسكرية من ناحية، ومحاولة الجهة الأخرى إذاعة فيديوهات أو ما يسمى الحرب النفسية من ناحية أخرى، فالأدوات والتكتيك واحد، فمثلاً في حرب العراق كانت هناك دراسات كثيرة أجريت على الـ«سي إن إن»، وقالت إن هذه القناة أدت إلى أن تكون الحقيقة هي الضحية الأولى في الحرب، وأنها كانت حرباً تليفزيونية أكثر منها واقعية، وإن الولايات المتحدة حاولت أن ترسم صورة غير حقيقية سواء عن المخاطر أو الأحداث أو عن الحرب نفسها، وهو نفسه ما يحدث الآن في الحرب، فالحرب على الأرض مختلفة عن الحرب التي تعكسها القنوات، فالتوجه الأيديولوجي لدى القنوات غلب على التوجه المهني.

حرب نفسية

وأضاف منصور في تصريحات لـ«الرؤية»، أن الأمر في القنوات الإعلامية التي تطرقت للحرب الروسية الأوكرانية، لم يعد متمثلاً في إذاعة الحقيقة، وإنما التعبير عن الاتجاهات والمصالح، وهذا من أكثر الأمور التي من الممكن أن تضر أي تغطية إعلامية، مشيراً إلى أنه لا توجد واقعة محددة من الممكن الاتفاق عليها، ومثال على ذلك ما أثير عن تسرب إشعاع من المفاعل النووي الأوكراني منذ أيام بفعل القوات الروسية، وإعلان الولايات المتحدة حينها أنها ستدعو إلى عقد جلسة لمجلس الأمن للتهويل من الموضوع، وفي النهاية ظهر أنه غير حقيقي وأن القوات الروسية كانت قد سيطرت عليه قبل إذاعة هذا الخبر بنحو 4 أيام، فالحرب النفسية هي سمة أساسية للحروب، حيث يحاول كل طرف أن يستغل الروح المعنوية للجمهور عن الطرف الآخر، وللأسف لا يوجد في الدول العربية مصادر سوى الوكالات والاعتماد على بعض القنوات، لذا تعتمد على ما يقال من هذه الوسائل في التناول الإخباري، فليس هناك مصادر على أرض الواقع، وننقل عن شبكات لها مصالح وأدوات وأهداف، وبالتالي نحن مضللون بشكل أو بآخر في تصوراتنا عن الأحداث.

أداة حرب

يقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، الدكتور محمد الباز، إن الإعلام أداة من أدوات الحرب الآن، فالحروب الحديثة في شق كبير منها هي حروب إعلامية، وفي الحرب الروسية الأوكرانية، سبقت الحرب الإعلامية عمليات القتال المباشرة، حيث اشتعلت الحرب الإعلامية بين الجانبين قبل انطلاق الغزو في 24 فبراير الماضي، روسيا في جانب ومعسكر أوكرانيا ومن ورائها الغرب في جانب آخر، وقد اتسمت الحرب في هذه المرحلة بعمليات التصعيد.

وأضاف الباز أن هناك تلوناً في الاستخدام الإعلامي، فكل طرف أصبح يستخدم الإعلام ليس كأداة لتوصيل الموقف، ولكن كسلاح لتنفيذ أهداف محددة على الأرض، فالغرب وأوكرانيا استخدموا الإعلام بالحجب، بمعنى حجب كل ما يصدر عن روسيا وتصدير فقط الفيديوهات سواء كانت صحيحة أو مفبركة لجمهورهم المتلقي، عن العمليات التي تتم على الأرض، وإظهار مدى بشاعة الروس، وإظهار ما يمكن اعتباره جرائم حرب؛ بهدف التأثير على الرأي العام، في الجانب الآخر حاولت روسيا بقدر الإمكان حجب ما يحدث عن مواطنيها، فقد سنوا قانوناً للإعلام يفرض عقوبات على كل من ينشر أخباراً تخص القوات المسلحة، بالسجن لمدة 15 عاماً، بهدف الاحتفاظ بقوة الجبهة الداخلية لتسانده في العمليات، خاصة أن هناك بعض المظاهرات داخل روسيا، وهذا يتم التعامل معه بشكل كبير.

وأضاف الباز أن كل طرف يستخدم الإعلام من وجهة نظره ليس فقط لتحقيق أهدافه وإنما لتبرير تصرفاته، فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، استطاع أن يجذب الإعلام الغربي لتصريحاته، عندما أجرى لقاء مع إحدى القنوات الأجنبية الغربية، وعندما سئل عن كيف يخلد للنوم وهناك هذه الحرب، حول الدفة لإدانة الإعلام الغربي، الذي يحاصر ويهاجم روسيا، ولم يهتم، في نفس الوقت، بما يحدث في ليبيا وسوريا وغيرهما.

عجز إعلامي

وتابع بأن الأساس في الأخبار المنتشرة عن الحرب من الجبهتين، أنها مضللة، وهذا خلَّف تأثيراً كبيراً على المحللين السياسيين، لأنه لا أحد منهم يستطيع أن يرسم صورة حقيقية لما يحدث على الأرض، فالمعلومات منقوصة بشكل كبير، وعلى سبيل المثال ما حدث من أخبار بشأن المحطة النووية في أوكرانيا، فنحن أمام عرض معلوماتي من الطرفين متناقض تماماً، فروسيا تقول إن هناك مخربين أوكرانيين هم من أشعلوا النيران حول المفاعل النووي، لاستفزاز روسيا، فيما تقول أوكرانيا إن هذا هجوم واضح من الروس. هنا بأدوات التحقق المعلوماتي الحديثة التي يستخدمها بعض الصحفيين، لم يتمكن أحد من الوصول إلى حقيقة الموقف.

وأشار الباز إلى أن هذه الحرب في غيمة، فالموقف غير واضح وغير شفاف، ولذلك معظم التحليلات ليست دقيقة، وهو ما جعل المحللين السياسيين المتابعين للحرب عاجزين عن وضع سيناريوهات واضحة، فالحرب مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل معلومات مختبئة ومتضاربة وغير حقيقية في أغلب الأحيان، لافتاً إلى أن الذي سيحسم الأمر هو القتال على الأرض.

وأوضح أن هذه الحرب أصابت الإعلام بالعجز، حيث لا يتاح لمراسلي القنوات الكبرى سواء الأجنبية أو العربية، حرية الحركة في مناطق الصراع، وهو ما يفقد الإعلام المعلومة وربما المصداقية.

وأشار إلى أن المتابع للتغطيات سيجد أنها تسير على خط مستقيم لوقت طويل دون تصاعد، لأنه لا توجد معلومات تغذي هذا التصاعد، لكن الفكرة هي أن المواقع والقنوات الغربية مدانة لأنهم متخذون موقفاً، وعاجزون لأنهم لا يستطيعون الوصول للمعلومات بشكل كبير، فالإعلام بشكل عام نصفه عاجز ونصفه موجه، ولا أحد يستطيع الادعاء بالقول إننا نعلم ماذا يجري على الأرض، وهذا يصنع حالة من التشويش.

تضخيم مضلل

يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عزت سعد، إن هناك حرباً إعلامية بالفعل ومعلومات مضللة، وهذا أصبح جزءاً مشروعاً من أي حرب، حيث وجود نوع من التضخيم في إبراز عدد الضحايا، لافتاً إلى أنه من الموضوعات المهمة التي كان بها قدر كبير من التهويل والمبالغة وربما التضليل من الإعلام الغربي، هو المفاعل النووي في محطة زابوريجيا بأوكرانيا، وهذا كان لافتاً للانتباه، لأنه تم تقديم سيطرة القوات الروسية على المفاعلات النووية في أوكرانيا على أنهم يحاولون تذكير العالم بمأساة تشرنوبيل، وتقديم روسيا على أنها دولة تتصرف بعدم مسؤولية، لكن القصة مختلفة ومفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أوضحوا الحقيقة، وأنقذوا المشاهدين والمتلقين من هذه الحملة، وقالوا إنه لا يوجد إشعاع غير عادي، وكل شيء تحت السيطرة، فضلاً عن أن إحدى القنوات الإعلامية أوضحت أن الفيديو المنشور بوجود حريق قام به الجانب الروسي داخل المحطة لا علاقة له بحرب روسيا على أوكرانيا، وإنما هو منشور على مواقع إخبارية مختلفة بتاريخ 14 أغسطس 2015، حيث يعود لحريق اندلع في مصنع مواد كيميائية في تيانجين الصينية عام 2015.

وأضاف سعد أن هناك أيضاً مبالغة في أعداد الضحايا والمصابين، وعدد الطائرات التي أسقطت من الجانبين، وهو ما يولّد انطباعات الشك بين المتلقي ومصدر المعلومة.