الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

لتأمين إمدادات النفط.. الأزمة الأوكرانية تعيد الدفء للعلاقات الأمريكية مع فنزويلا

لتأمين إمدادات النفط.. الأزمة الأوكرانية تعيد الدفء للعلاقات الأمريكية مع فنزويلا

كشفت ثلاث وسائل إعلام غربية؛ هي نيويورك تايمز، وموقع «ذا هيل»، ووكالة «رويترز»، عن قيام وفد أمريكي برئاسة كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمريكا اللاتينية، خوان جوانزليس، بإجراء مباحثات مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي يفترض أن أمريكا لا تعترف به، يوم السبت الماضي، في العاصمة كاراكاس، في خطوة هي التي قال عنها خبراء لـ«الرؤية» إنها تهدف لتأمين وصول إمدادات النفط في فنزويلا إلى الأسواق، للمساعدة على التخفيف من أزمة الطاقة، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من وقف تصدير النفط والغاز الروسي.

وجاءت الزيارة ـ كما يقول المراقبون - في أعقاب التقدم بمفاوضات فيينا، حول الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، التي على استعداد لتصدير كميات كبيرة من الغاز، كما جاءت الزيارة في ظل توجه أمريكي معلن بتخفيض الاعتماد على النفط الروسي أمريكياً من جهة، وترتيب بديل لتزويد أوروبا بالغاز من جهة أخرى، فيما إذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقف ضخ الغاز إلى الدول الأوروبية التي تحصل على نحو 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا. وتعد زيارة الوفد الأمريكي لفنزويلا، أعلى اجتماع رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وفنزويلا في كاراكاس منذ سنوات، وبعد أن قطعت فنزويلا والولايات المتحدة جميع العلاقات بينهما، بل واعترفت أمريكا بالمعارض الفنزويلى خوان جوايدو رئيساً شرعياً بدلاً من مادورو، ودفعت 50 دولة إلى هذا النهج، وان كان بعضها تراجع عن ذلك.

الغاز قبل النفط

ومن جانبه، قال نائب رئيس هيئة البترول المصرية سابقاً، الكيميائي مدحت يوسف «النفط ليس المشكلة الأهم عند الولايات المتحدة، بل الغاز، ومن المؤكد رغم كل ما يمكن أن تقدمه إيران بالذات في مجال الغاز لأوروبا، فإنه لا بديل لفترة طويلة مقبلة عن الغاز الروسي، وفنزويلا ليست منتجاً كبيراً للغاز، فضلاً عن بعدها عن أوروبا، ومن هنا يمكن النظر إلى خطوة التقارب الأمريكي مع فنزويلا، من منظور سياسي أكثر على الأقل في هذه المرحلة».

وفي تصريحات خاصة قال «إنتاج فنزويلا من النفط كان انخفض إلى ما دون نصف مليون برميل بعد أن كان بلغ فوق 3 ملايين قبل 2015، وحدث الانخفاض بعد العقوبات التي تم فرضها على فنزويلا من 2014، وبلغت الذروة مع مادورو في يناير 2019، احتجاجاً على ما اعتبرته الولايات المتحدة انتخابات رئاسية مزورة في 2018، أتت بمادورو، ثم ارتفع الإنتاج الفنزويلي إلى نحو مليون برميل مؤخراً، بفضل مساعدات روسية، وبعض الدعم المكسيكي الذي اتخذ أشكالاً مختلفة، قانونية أو ملتوية لمساعدة فنزويلا على الإنتاج وتسويق بترولها.

وأضاف «ربما تريد أمريكا أن تتخذ من النفط الذي يمكن أن تضخه إيران، بعد رفع العقوبات عنها، (حوالي 2 مليون برميل يومياً)، ونفط فنزويلا، كأداة ضغط على أوبك بلس».

طلبات أمريكية أخرى

تحدثت الأنباء عن طلب أمريكي من الرئيس الفنزويلي، بالإفراج عن 6 أمريكيين تابعين لإحدى الشركات، محتجزين بسجون فنزويلا، وعن مطالب أخرى مثل إجراء انتخابات رئاسية حرة، وإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، كما نوهت بإمكان السماح لفنزويلا باستخدام شبكة «سويفت» لنقل أموال النفط الذي يمكن أن يباع.

وأشارت إلى أن مادورو أبدى قدراً من المرونة فيما يخص إنتاج وبيع الخام، وهو من النوع الثقيل، الذي يلزم تخفيفه بمواد ليست موجودة في فنزويلا، إلى أمريكا أو غيرها، لكنه ظل على مواقفه السياسية اليسارية إلى حد كبير، والى درجة أن معلقاً أمريكياً حذر الإدارة من أن مادورو باستقبال الوفد الأمريكي، يقوم بمناورة تكتيكية للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة بالبلاد، أكثر من اهتمامه بتغيير سياساته تجاه كل من أمريكا وروسيا، وخاصة أنه طلب بشكل أساسي من الوفد الأمريكي سرعة رفع العقوبات المفروضة عليه وعلى أعضاء النخبة الحاكمة.

أهداف بايدن

ومن جانبها، قالت أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الدكتورة منى مكرم عبيد «المصادفات قادت إلى أن تجرى الانتخابات الفرنسية، وبعدها انتخابات الكونغرس النصفية فينفس عام الأزمة الكبرى بين أوكرانيا وروسيا، ولهذا يجب توقع حدوث أي شيء، مهما بدا مخالفاً للقواعد أو القيم السياسية المعلنة في البلدين، لإرضاء الناخبين، ولا ننسى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يريد أن يؤثر على أسعار الطاقة في اتجاه يخفف من أثر التضخم في بلاده، قبل انتخابات الكونغرس، ونفط فنزويلا يفيد في ذلك، فضلاً عن أهدافه الأخرى المعروفة وراء التقارب مع إيران وفنزويلا، وعلى رأسها طبعاً تضييق الخناق على روسيا، وإضعاف نقطة قوتها وهى صادراتها من النفط والغاز».

ومن المعروف أن فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، امتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكن الامتناع نفسه ترك هامشاً، كما ترى نيويورك تايمز، يشير إلى أن تلك الدول قد تنأى بنفسها عن الأزمة الأوكرانية، وتقترب بعض الشيء من الموقف الأمريكي.

إعادة ترتيب المواقف

ومن جانبه، يقول الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، سعيد عكاشة «السياسة عملية دائمة لإعادة ترتيب الأولويات والتحالفات وإعادة تحديد الأصدقاء والأعداء طبقاً للضرورات والمصلحة ولو كانت ظرفية أحياناً، وروسيا تتحرك في السنوات الأخيرة على قاعدة أن أصدقاءنا خذلونا بعد كل ما قدمنا لهم، وبالتالي تعيد ترتيب مواقفها واتجاهاتها، وتؤكد للجميع أنه لا شيء مجاناً، وحليف لروسيا مثل مادورو يعتقد هو الآخر أنه لم يحصل على دعم كافٍ للموقف الذي اتخذه حيال الخصم اللدود لروسيا، وهو الولايات المتحدة، وأصبح من حقه أن يبحث عن مساحة حرة لبلده بعدما نضبت موارد بلاده من النقد الأجنبي، نتيجة انهيار إنتاج وتصدير النفط الذي يشكل أكثر من 90% من حصيلة البلاد من العملة الأجنبية، وبعد أن هاجر مئات الآلاف من البلد، وأرهق سكانها وطبقتها السياسية، بسبب العقوبات الاقتصادية، وخاصة النفطية».

وأضاف «لا ننسى أن العقوبات الغربية الشاملة التي تم فرضها على روسيا، ستقلل كثيراً من قدرة الروس على مساعدة فنزويلا، بل إن التضييق الخانق على الشبكة المالية الروسية، يجعل من معاونة روسيا لفنزويلا لبيع نفطها، شبه عديم الجدوى، بسبب صعوبة تحويل الأموال إلى ومن البنوك الروسية». وتابع قائلاً «إيران أيضاً ستعمل على مزيد من تعميق الاستفادة من لحظة أوكرانيا، حتى لا تكون رهينة للدعم الروسي، أو العقود والارتباطات الصينية».