الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

تقدير موقف | 4 خيارات للمنطقة العربية أمام تحديات النظام العالمي

تقدير موقف | 4 خيارات للمنطقة العربية أمام تحديات النظام العالمي
خيار الجلوس على مقعدين أحدهما روسي والأخر أمريكي «صعب المنال»

الاهتمام بالجبهة الداخلية وعدم الانجرار وراء الاستقطابات الدولية

تدعيم العلاقات العربية – العربية في جميع المجالات
بعد الدخول الروسي إلى أوكرانيا، تقلص مساحات المناورة بين روسيا وداعميها من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر، ومع حجم وقوة العقوبات الغربية على روسيا، أصبح من الصعب أن يعمل الطرفان في قضية واحدة، لأن حدة الخلافات وما سوف يترتب على هذه الحرب أنهى بالكامل سياسة الاحتواء الغربي نحو روسيا، التي بدأت مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين نهاية عام 1999.فما هي شواهد العالم الذي يتشكل على وقع الأزمة الأوكرانية الروسية؟ وما هي خيارات الدول العربية للحفاظ على مكتسباتها الوطنية دون الانجرار لصراع يبدأ ولا أحد يعرف أين أو متى ينتهي؟


3 سيناريوهات للعالم


هناك 3 مسارات وفق مجموع الآراء على الساحة الدولية؛ الأول يقول إن روسيا دخلت في مستنقع كبير على غرار المشهدين الأفغاني والعراقي، وسوف تخرج منه منهارة. الرؤية الثانية أن روسيا ستحقق كل أهدافها في شرق أوروبا، وتفرض شروطها على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي «الناتو»، وهو ما سوف ينهي تماماً عصر القطبية الأحادية. التصور الثالث أن العالم سينتقل من القطبية الأحادية على أن يكون هناك نظام متعدد الأقطاب، يجمع بالإضافة للصين وروسيا والولايات المتحدة، أقطاباً مثل الهند والبرازيل واليابان وألمانيا.

شواهد على عالم جديد

هناك سلسلة طويلة من الشواهد التي تؤكد أن عالماً جديداً في طور التشكل والتطور، وأبرز تلك الشواهد:

أولاً: «من ليس معنا فهو علينا»، فالجميع في الشرق والغرب باتوا يرفعون هذا الشعار، وأصبح خيار الجلوس على مقعدين أحدهما روسي والأخر أمريكي يشكل تحدياً كبيراً لكل الدول، فهناك دول كثيرة، في مقدمتها الدول العربية، ظلت تحاول خلال العقد الأخير أن تبني علاقات متوازنة مع الجميع، من خلال التركيز على مصالحها التنموية والاقتصادية، بعيداً عن الاصطفافات السياسية والعسكرية، لكن الحرب الروسية الأوكرانية تنهي وتقلص هذه المساحة تماماً، وأصبح الخيار الوحيد الآن هو الذهاب لأحد المعسكرين. ثانياً: غياب الخيار الثالث في الحرب الأوكرانية الروسية حتى الآن، فهناك من يدعم وجهة النظر الروسية، مثل الصين وبيلاروسيا وفنزويلا وسوريا، وهناك من يدعم دون أي شروط، التحركات الغربية بقيادة أمريكا، وفي المقدمة حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

والمشهد على الساحة الدولية يقول إن الصراع ليس فقط بين الغرب والشرق، فروسيا وكل حلفائها يواجهون تحالفاً عريضاً يضم نحو 100 دولة، في المقدمة منهم دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي واليابان، ونيوزيلاند وأستراليا، وضمن هذا التحالف تأتي التحالفات الجيوسياسية الجديدة مثل «الأوكوس» الذي يضم مع أمريكا بريطانيا وأستراليا، وتحالف «كواد» الذي يضم الهند والولايات المتحدة وأستراليا، وأضيفت لهم اليابان في اجتماع رباعي عقده الرئيس جو بايدن الخميس الماضي، ويمكن أن تدخل فيه كل الدول التي تناهض الصين في شرق وجنوب شرق آسيا، والتي لديها خلافات مع بكين حول السيادة على بحر الصين الجنوبي.

ثالثاً: التحالف غير المعلن بين روسيا والصين، يظهر بوضوح من خلال سلسلة الاتفاقيات الاستراتيجية التي وقعها الرئيس بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينغ في 4 فبراير، ودعم الصين للضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا من حلف الناتو، ونفي الصين التقارير التي قالت إنها طلبت من روسيا تأجيل العملية العسكرية في أوكرانيا، وعدم دعم قرار إدانة روسيا في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكل ذلك، ينظر للحرب الأوكرانية على أنها سوف تؤكد العلاقة الخاصة والاعتماد المتبادل بين موسكو وبكين.

رابعاً: استعار حرب الحدائق الخلفية بين المعسكرين الغربي والشرقي، فالعلاقات الروسية الصينية مع دول أمريكا اللاتينية زادت بقوة في العقدين الماضيين، فعلى سبيل المثال أصبح الميزان التجاري الصيني مع أمريكا اللاتينية أكبر بنحو 20 مليار دولار، عن الميزان التجاري بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة نفسها، وكما تدعم فنزويلا وكوبا القريبة من الحدود الأمريكية، المواقف الروسية، بينما تدعم تايوان القريبة من الصين، ودول بحر البلطيق على الحدود الروسية، الأجندة الأمريكية، وهو ما يكشف الاصطفاف السياسي والعسكري على مستوى الكرة الأرضية، وليس فقط في آسيا وأوروبا. خامساً: اعتماد الطرفين على قوات ومليشيات وعناصر مسلحة وقتالية ما دون الدولة أو ما دون الجيوش النظامية، مثل المجموعات المتطرفة أو شركات الجيوش الخاصة. سادساً: التخلص من الالتزامات السياسية والعسكرية التي حكمت العلاقة بين الطرفين خلال السنوات الثلاثين الماضية، ومنها خروج موسكو وواشنطن من اتفاقية منع ونشر الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى في أوروبا، والانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة، وتجديد اتفاقية «ستارت 3» لمدة خمس سنوات فقط. سابعاً: التعبئة الأيديولوجية، فكل طرف في معادلة الصراع الحالية يقوم بالحشد الأيديولوجي ضد الطرف الآخر، فالولايات المتحدة توجه دعايتها ضد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، كما تتهم الرئيس بوتين بأنه يريد العودة لزمن الاتحاد السوفيتي السابق.

خيارات عربية

أمام هذه الاستقطاب الدولي، وتقلص وربما تلاشي مساحة المناورة في العلاقة مع كل أطراف الصراع على الساحة العالمية، يمكن للدول العربية أن تقوم بعدد من الخيارات أهمها:

1- التمسك بالعلاقات المتوازنة مع الجميع، وأن تقدم الدول العربية نفسها وكأنها واحة للحوار والتقريب بين وجهات النظر الدولية المتصارعة.

2- الاهتمام بالجبهة الداخلية وعدم الانجرار وراء الاستقطابات الدولية، وذلك بالتركيز على الجوانب الاقتصادية والتنموية، وتقوية الوعي الوطني في مواجهة كل ما يأتي من الخارج من أفكار.

3- تدعيم العلاقات العربية – العربية، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.

4- الانخراط في حوار إقليمي يجمع الدول العربية مع الدول الفاعلة في محيطها الإقليمي، حتى تتجنب التحول إلى دول وظيفية مع هذا المعسكر أو ذاك.