الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

نووي إيران | تداعيات الاتفاق المحتمل على الأمن الإقليمي

نووي إيران | تداعيات الاتفاق المحتمل على الأمن الإقليمي
تفكك الاتحاد السوفيتي أكبر لحظة استفادت منها طهران لتسريع برنامجها النووي

تتصاعد التوقعات بقرب إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، وتسود نبرة تفاؤل واضحة، أو ربما شعور بالزهو، الأوساط الإيرانية المعنية، ولم يمنع الطلب الروسي المباغت من أطراف التفاوض بـ«المساواة للجميع»، في إشارة إلى إيجاد نوع من الربط بين العقوبات على إيران والعقوبات على روسيا، من احتمال حدوث توقيع وشيك، وإعلان المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين أن القضايا الجوهرية تم حلها، وأن الأجواء مواتية للتوقيع.وذهب بعض المحللين إلى حد القول إن بايدن لم يكن ليعلن مقاطعة النفط الروسى إلا بعد أن تأكد من أن النفط الإيراني سيتدفق قريباً إلى الأسواق مرة أخرى، أي على إثر التوقيع المرتقب وبدء رفع العقوبات عن إيران. في تلك الأثناء برزت تساؤلات في أوساط بحثية ودبلوماسية أكاديمية وعلمية في دول عدة، حول تداعيات الاتفاق النووي المحتمل على علاقات القوى الكبرى والأمن الإقليمي، وعن القدرات النووية الإيرانية ومدى قربها من نقطة الاختراق، أو بمعنى أدق قدرتها على تصنيع قنبلة ذرية حالياً أو بعد التوقيع، وفي أي مدى زمني.

حسب المعلومات الموثوقة من الوكالة الدولية، تمتلك إيران كامل إمكانات دورة الوقود النووي، حيث كانت تملك 300 كيلو يورانيوم منخفض التخصيب في 2015، والآن لديها 2 طن، ولديها حالياً 230 كيلو مخصبة بنسبة 20%، و50 كيلو تخصيب بنسبة 60%، أي ضعف ما كان لديها من هذا النوع منذ 3 أشهر فقط، ما يدل على تسريع غير عادي للنشاط النووي هناك. ويؤكد العلماء أنه بات بإمكان إيران عمل قنبلة ذرية وربع مما تمتلك الآن من يورانيوم مخصب بنسبة 60%، وهي تحتاج إلى أقل من أسبوعين للانتقال من 60 % إلى 90 % لو استخدمت وحدات IR6 المتطورة، التي تقلل عدد أجهزة الطرد المركزي المطلوبة إلى واحد من 10، بدلاً من القديمة، ومن الأمور المهمة أن إيران لا تريد إنتاج قنابل ذرية بشكل موسع ويكفيها فقط أن تنتج واحدة أو اثنتين في المدى القصير لتقول للقوى الكبرى وللإقليم نحن هنا.


الضمانات والبدائل


قد تطلب إيران هذه المرة ضمانات مختلفة مثل إقرار الاتفاق من الكونغرس أو الشيوخ، وإذا تعذر ذلك يمكن أن تأتي الضمانات من مجلس الأمن ذاته حتى لا يتكرر أمر انسحاب أمريكا منه ثانية. تبين أنه حدث تطور إيراني كبير في وسائل النقل والإطلاق للسلاح النووي، وأن صاروخ «شهاب» يستطيع حمل قنبلة نووية زنة واحد طن، وهناك صلة بين اختبارات الأقمار الصناعية الإيرانية حالياً وجهود تطوير قدرات الحمل والنقل والإطلاق.

برزت تساؤلات عن مدى ملاءمة التصميم الإيراني للقنبلة مع اليورانيوم تخصيب 60 % فقط وليس 90 % المطلوبة للقنابل. وقد لجأت إيران في السنو ات الأخيرة إلى تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في القطاع الصحي كمثال لتتخذ من ذلك واجهة تدعم أن نواياها سلمية.

ذكر باحثون أن أكبر لحظة استفادت منها إيران لتسريع برنامجها النووي كانت هي لحظة تفكك الاتحاد السوفيتي والتي أعقبتها موجة واسعة من نشاط المافيا النووية، التي مكنت إيران من سرقة وحدات تخصيب وكميات من الوقود، فضلاً عما قدمه لها العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان، وما حصلت عليه بشكل أو آخر من كوريا الجنوبية.

تكشف أن أحد المطالب الإيرانية من المفاوضات، هو طي صفحة 4 مفاعلات وجدت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال تفتيشها مواد نووية، ومعنى هذا المطلب، أن إيران قد لا تعبأ في المستقبل بملاحظات الوكالة، ما دام يمكن إزالتها.

خطوة مع خطوة

أشارت الاتجاهات إلى أن إيران ستعمل في الاتفاق المزمع على ربط التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تمتلكه حالياً بمقدار رفع العقوبات، أي خطوة مع خطوة، وأكدت أنه مهما حصل فإن الدول الغربية في النهاية لن تستطيع أن تزيل ما تراكم من خبرة علمية وفنية في العقول الإيرانية، وبالتالي فإن احتمالات العودة للتخصيب وإنتاج قنابل واردة بقوة حتى إذا تم تدمير المنشآت، وإذا حدث أي نوع من التملص الغربي من الاتفاق، وقيل إن الطموح النووي الإيراني موجود منذ زمن الشاه، والذي كان لديه أيضاً رؤية خاصة لأمن الخليج، وقد ظهرت آثار تلك الرؤية ومعها إضافات من العهد الحالي، بأقصى وضوح في 2019 عند إعلان ما تمت تسميته «تحالف الأمل» ويضم الخليج + العراق، وأهم ما فيه هو خروج القوات الأجنبية من المنطقة والمقصود بالطبع خروج القوات الأمريكية.

المعتقد لدى كثيرين أن نظام الأمن الذي سيستمر في المستقبل بالمنطقة هو خليط من المبادرة الإيرانية والأخرى الروسية التي ظهرت في 2019 أيضاً، وهي أوسع نطاقاً، والمبادرات الأمريكية المختلفة مع أدوار للصين وإسرائيل فيه. تتشكل السياسة الإيرانية تحت مؤثر يشبه ما يجري في إسرائيل هو أنها دولة محاصرة ومستهدفة وتواجه تهديدات كبرى، غير أن آراء تقول إن من التوهم أن نتصور أن أمريكا وإسرائيل يمكن أن تقوما بضرب إيران والعكس صحيح، حيث توجد روابط بين الأطراف الثلاثة أساسها أن تحكم أمن الإقليم قوى من خارجه هي إيران وتركيا وإسرائيل، وليس قوى عربية، وقد قال مسؤولون أمريكيون منذ أوباما إن على العرب التعايش مع إيران.

نقاط ضعف

أظهرت مناقشات متعددة نقاط ضعف خطيرة في النظام الإيراني أهمها التعارض بين إقامة نظام جمهوري على النسق الليبرالي وبين دولة دينية، واقعياً الكلمة الأخيرة فيها للزعيم (هكذا يسمونه وليس المرشد)، والخلافات بين القوى الحديثة والتقليدية، وبين أجهزة في الدولة والحرس الثوري، وعدم جاذبية النموذج حتى بافتراض حسن نواياه، واتساع الفجوة بين التشيع كمعتقد له جذور لدى الجمهور العادي، والتشيع كأيديولوجية، وهناك أيضاً نقاط قوة جديدة تأتي لإيران من تبديلات حركة التجارة العالمية، وسعيها إلى أن تكون قطب الحركة التجارية بين شمال وجنوب وشرق وغرب في ظل خطة الصين للحرير، وصعود آسيا عموماً، والتوجه الحالي الإيراني للتركيز على الاقتصاد والحد من الفساد وتهدئة التوترات مع دول الجوار على خلفية الأمل في منافع اقتصادية، وكل ذلك لتأمين الجبهة الداخلية، وتحقيق استقرار مستدام للنظام، واستغلال فتوى الزعيم بأنه يمكن أحياناً الاتفاق مع العدو في أمور. وطالب مفكرون بضرورة تقوية مراكز البحث المعنية بإيران وتركيا وإسرائيل وحيث لا يمكن التأثير على تلك الدول إلا بالفهم واستخدام نفس لغة البلد أي إيران في هذه الحالة، وأنه مما لا يصح أن نتحدث عن تدخلات إيرانية في شؤوننا كأننا بالضرورة الطرف الأضعف أو أننا عاجزون عن التأثير في إيران بدورنا. ولفت البعض النظر إلى ضرورة أن نقتحم الساحة الايرانية، لأن إيران تدخل إلينا، وكما اعتادت من الثقوب إذا أغلقنا الباب في وجهها.