الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

الأزمة الأوكرانية | هل وقعت روسيا وأوروبا ضحية فخ أمريكي؟

الأزمة الأوكرانية | هل وقعت روسيا وأوروبا ضحية فخ أمريكي؟

الدول الأوروبية لا تمتلك القدرة الكافية لحماية حدودها

الحشد المتزايد لأعضاء الناتو يضاعف فاتورة إنفاقها العسكري

تتصاعد احتمالية استخدام أوكرانيا باباً خلفياً لتصفية الصراعات القطبية، وسط أقاويل تتردد داخل الأوساط السياسية خلف الأبواب المغلقة عن محاولات استنزاف روسيا اقتصادياً وعسكرياً في الحرب الأوكرانية من جهة، وإجبار أوروبا على ضخ المزيد من التمويل العسكري لحلف الناتو من جهة أُخرى، الأمر الذي بدأت ألمانيا تطبيقه بالفعل في سابقة أُولى منذ الحرب العالمية الثانية.

خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن الدول الأوروبية لا تمتلك القدرة الكافية لحماية حدودها، وأن رفع معدلات الإنفاق العسكري الأوروبي يخفف من العبء الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة الأكثر إنفاقاً داخل حلف الناتو، وأشاروا إلى أن العالم أصبح أمام صراع كان يجب ألّا يقع، مع تزايد احتمالية أن تكون كل من روسيا وأوروبا وقعَا ضحية فخٍ أمريكي.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، دكتور حسني عبيدي، إن الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا له تداعيات اقتصادية وعسكرية، إذ تشكل عبئاً إضافياً على ميزانيات الدول الأوروبية المنهكة من تداعيات جائحة كورونا وارتفاع معدلات التضخم، عبر الإنفاق العسكري المتزايد الذي بدأ بالفعل من ألمانيا، إذ أعلنت مضاعفة ميزانية الدفاع، ما يعد سابقة في تاريخ ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وعلى المستوي العسكري تم إرسال العديد من القوات العسكرية التابعة لحلف الناتو إلى أوروبا تحسباً لأي طارئ بعد التصعيد العسكري في أوكرانيا، لا سيما أن الدول الأوروبية لا تمتلك القدرة الكافية لحماية حدودها، لافتاً إلى أن الحشد العسكري المتزايد للدول الأوروبية الأعضاء في الناتو يضاعف فاتورة الإنفاق العسكري والميزانية العامة، بما ينعكس على أوجه الصرف الأُخرى من تعليم، صحة، وتشغيل، غير أن أوروبا تستهدف من خلال رفع الإنفاق العسكري الوصول إلى استقلالية عسكرية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

واستبعد احتمالية إيقاع أوروبا أو روسيا في فخ أمريكي، لافتاً إلى أن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية لا تستدعي إضعاف أوروبا اقتصادياً، خاصة وأنها الشريك الأساسي لها، كونها تشكّل سوقاً للمنتج الأمريكي ومستهلكاً أيضاً، لذا فإن الكساد الاقتصادي في أوروبا ينعكس بدوره على الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذا لا يمنع أن الولايات المتحدة الأمريكية تتنفس الصعداء باعتبارها الدولة الأكثر إنفاقاً داخل حلف الناتو، لذا فإن ضخ مزيد من الأموال الأوروبية إلى الحلف يخفف العبء الاقتصادي على الولايات المتحدة، بالمقابل تتحمل روسيا الجانب الأكثر من الأضرار، لا سيما مع زيادة النفقات العسكرية في حال استمرار النزاع الحالي، في وقت تواجه عقوبات اقتصادية دولية منقطعة النظير، مشيراً إلى أن الصين في موضع الدول الأكثر ربحية خلال الوقت الراهن.

وبدوره، قال المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية، والكاتب والباحث في العلاقات الدولية، سالم اليامي، إن العالم أصبح أمام صراع كان يجب ألا يقع، مشيراً إلى احتمالية أن تكون كل من روسيا وأوروبا وقعا ضحية فخ أمريكي، لا سيما أن المصالح والخطر النسبي الذي يشكله كل طرف للطرف الآخر أخذ يتصاعد بوتيرة مقلقة، مؤكداً أن الصراع لا زال في بدايته، خاصة إذا كان الأمر يتعلق باستنزاف قُوَى أطراف النزاع الذي يمكن تحقيقه حال طال أمد الحرب، منوّهاً بأن قياس مدى التأثير المباشر للعقوبات، والتغييرات في أسعار الطاقة قد تعطي مؤشرات فرملة لبعض القوى، غير أنه ليس من الواضح إذا توقفت شهية روسيا عند الحدود الأوكرانية.

وأكد أن كافة الخيارات مفتوحة بداية من الحلول الدبلوماسية وحتى التصعيد العسكري، لافتاً إلى أن الصراع الجاري ينذر بتغيير في بيئة العلاقات الدولية، مع تزايد احتمالية تشكيل تحالفات جديدة، وصراعات، ومناطق نفوذ تختلف عما عرفه العالم خلال السنوات الأخيرة.

ويري الخبير بالشؤون الأوروبية، زاهي علاوي، أن وصف الحرب الحالية بالاستنزاف مبالغ فيه ولو جزئياً، غير أنه لا يمكن إنكار تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في القرارات الصادرة عن الدول الأوروبية وبالتبعية القرارات الدولية، في ظل سياسة الهيمنة والقطب الواحد، التي حالت دون اتخاذ الأوروبيون سياسات أمنية ودفاعية واضحة أو حتى قرارات سياسية على المستوى الدولي، مشدداً أن كافة القرارات الدولية أصبحت مرهونة بقرار سياسي من موسكو وواشنطن.

وأشار إلى أن مسألة إضعاف روسيا والصين اقتصادياً ليست بالأمر السري، لافتاً إلى أن بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض تبنى سياسة التكاتف مع حلفائه في أوروبا في مواجهة الصعود الروسي في سوق الطاقة من جهة، ومواجهة الصعود الاقتصادي الصيني من جهة أخرى.

وتساءل الباحث والمحل السياسي من لندن، دكتور فارس خطاب، عن أسباب إقدام روسيا على تلك العملية، رغم كونها دولة عُظمى تعلم القوانين الدولية والضوابط الخاصة بالدول الخمس الكُبرى التي تملك الخيار النووي، التي ارتضت أن تكون الحامي من دخول العالم في صراع يودي إلى حرب عالمية ثالثة، معتقداً أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعات سحب بوتين نحو هذا الميدان من خلال الاستخدام المبرمج للإعلام من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لتأجيج مشاعر الغضب نحو روسيا وتحديداً الرئيس بوتين، الأمر الذي ظهر بالفعل على بوتين قبل يومين من بدء العملية العسكرية، إذ ظهر عليه غضب لم يظهر طيلة سنوات حكمه، بالمقابل عملت الولايات المتحدة الأمريكية على شحن الرئيس الأوكراني بقدرة زائفة خيلت له إمكانية مواجهة روسيا، ما أدى إلى تورّط أوكرانيا الذي بَدا في تصريحات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، عندما قال: «دفعوني إلى الحرب وسحبوا أيديهم عني».

وشدد على أن الحكم على تورط موسكو في تلك العملية من عدمه لا يمكن حسمه خلال الوقت الراهن، لا سيما أن نتائج العملية العسكرية في كافة الأحوال حتى وإن احتلت كامل أوكرانيا، لن تعيد روسيا إلى صورتها القديمة ورئيسها بوتين الذي يعده بعض الشباب والسياسيون رمزاً استطاع إعادة سطوة وهيبة الاتحاد السوفيتي في أوج عظمته من خلال إعادة إحياء روسيا الاتحادية وضمان التفوق الروسي في مجالات عدة، معتبراً أن تلك الصورة هي التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية رسمها، عبر تسليط الضوء على المهاجرين الأوكرانيين عند هروبهم من الأسلحة الروسية وحجم الدمار، الذي نفذته روسيا بطواعية غريبة لا تتسق مع دولة عظمى تجاور دولة أقل منها في الإمكانات، إذ كان من الممكن أن تستخدم وسائل عدة غير القوة المسلحة والتهديد النووي.

واستبعد الصحفي المستقل بالولايات المتحدة الأمريكية، إميل بارودي، احتمالية وجود مؤامرة أمريكية لإيقاع روسيا في فخ الحرب واستنزاف أوروبا اقتصادياً عبر تزويد ميزانية الدفاع، وشدد على أن الرئيس الروسي ظن أن الغرب لن يحرك ساكناً، خاصة بعد موقفه السلبي في أعقاب ضم جورجيا والقرم، لافتاً إلى أن بوتين اعتقد أن الديمقراطيين سيعمدون إلى اتخاذ جنب من الصراع وعدم الدخول فيه، غير أن بايدن لم يدع الأمر يمر مرور الكرام.

واعتبر أن روسيا الخاسرة في كافة الأحوال، إذ حال خسارة بوتين الصراع الحالي فإنه سيواجه صعوبات سياسية، وداخلية، أما إذا انتصر يتعرض لعقوبات اقتصادية عبر إقصائه عن الاقتصاد الدولي، لافتاً إلى أن أوروبا قد تنزعج من الحرمان من الغاز الروسي، بالمقابل تختنق روسيا دون بيع الغاز الروسي.