الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

«حروب الظل».. مذكَّرة سرية تؤكد اصطياد عملاء «CIA»

«حروب الظل».. مذكَّرة سرية تؤكد اصطياد عملاء «CIA»

جندي أوكراني بجوار دبابة روسية مدمرة في كييف.

• حملة إعلانية أمريكية لتجنيد عملاء روس في صفوف وكالة الـ«CIA»

• الـ«FBI» يستهدف سفارة موسكو لدى واشنطن ويستغل تصريحات بوتين

• الحملة مستوحاة من لقاء رئيس روسيا مع مدير الاستخبارات ناريشكين

• «عمليات رمادية» في كييف ولافيف تستهدف رجال زلينسكي أمام المنازل

لا تبتعد آلة الحرب الدائرة في أوكرانيا عن عراك الظل؛ فالمعلومة بموجب فقه الحرب هي القائد الحقيقي للمعارك، ويظل دور شبكات التخابر حتمياً لتغذية الثكنات العسكرية بخارطة التحرك نحو الهدف المرصود. وإذا لم تتوقف حروب الظل بين الولايات المتحدة وروسيا على مر العصور، فليس ثمة شك في اشتعالها خلف غبار المواجهات العنيفة بين الطرفين في أوكرانيا. وفي حين ترابض سيارات عملاء الاستخبارات الروسية الـKGB أمام منازل المسؤولين في كييف وسائر المدن الأوكرانية، لا تمل الاستخبارات الأمريكية الـCIA توسيع دائرة وكلائها في روسيا، حتى إنها تجاوزت كلاسيكيات طرق التجنيد المألوفة بتكليف مكتب التحقيقات الفيدرالية الـFBI توزيع إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الجوَّالة لدعوة المواطنين الذين يجيدون اللغة الروسية، ويرفضون حرب روسيا في أوكرانيا بالتواصل مع الأجهزة المعنية، لرفع كفاءة شبكات التخابر الأمريكية ضد روسيا، حسب صحيفة «واشنطن بوست».

وتستهدف إعلانات الـFBI الهواتف الجوَّالة في سفارة روسيا لدى واشنطن، أو تلك الأجهزة المتواجدة بالقرب منها؛ بينما تصبح الإعلانات أكثر كثافة على صفحات التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، و«تويتر»، «إنستغرام» في مناطق جغرافية بعينها؛ أو ما يمكن وصفه بالإعلانات الموجهة إلى مناطق انتقائية. وللتأكد من تلك المعلومات، وقف مراسل الصحيفة الأمريكية إلى جانب السفارة الروسية في واشنطن، فاكتشف استقبال هاتفه الجوَّال وصفحته على «فيسبوك» عديد الإعلانات بهذا الخصوص، لتختفي الإعلانات تماماً بعد ابتعاده عن ساحة السفارة ذاتها.

فرصة ثمينة

وحسب «واشنطن بوست»، تخاطب الإعلانات على وجه الخصوص الشرائح الدبلوماسية، والاستخباراتية، والمهاجرين الروس لدى الولايات المتحدة، الذين يرفضون الحرب الروسية في أوكرانيا. وتصف دوائر التخابر المضاد غزو روسيا لأوكرانيا بأنه «فرصة ثمينة جداً للاستخبارات الأمريكية، تفضي إلى إنعاش عمليات تجنيد جواسيس جدُد ضد روسيا».

وتعتمد حملة الـFBI على عبارات صرح بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مناسبات خاصة، لتشجيع الكوادر العاملة في سفارة موسكو أو زائريها على التواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالية. واستوحت الحملة الإعلانية الفكرة من لقاء عقده بوتين الشهر الماضي مع مدير الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين، وخلال اللقاء وبَّخ بوتين مدير استخباراته علانية على خلفية موقفه إزاء السياسات الروسية في المناطق الشرقية المعزولة في أوكرانيا.

وخلال اللقاء ارتبك ناريشكين وبدا كأنه لا يتفهم قصد بوتين. واقتبس أحد إعلانات حملة التجنيد الأمريكية عبارة بوتين خلال اللقاء ذاته، وهو يوجه كلامه لمدير الاستخبارات الروسية: «الأمر واضح جداً سيرغي». وعمد الإعلان إلى إحماء الكوادر الأمنية لدى سفارة موسكو بواشنطن عبر تمرير رسالة واضحة: «بوتين يهين قائدكم»؛ فضلاً عن استخدام إعلانات الحملة عبارات بوتين بصورة أخرى: «الأمر واضح جداً... نحن على استعداد للاستماع إليك إن كان لديك ما تقول».

صراع التهديدات

وعلى رأس إعلان حملة مكتب التحقيقات الفيدرالية، تظهر بوضوح عبارة مباشرة: «المعلومات التي يتلقاها الـFBI من خلال الجماهير هي الأداة الأكثر نجاعة في صراع التهديدات. إذا كانت لديك معلومات يمكنها مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالية، فالرجاء التواصل معنا».

وربما اكتسبت الحملة الأمريكية زخماً في ظل معلومات موثقة تفيد بتقديم أحد كبار مساعدي الرئيس الروسي أناتولي تشوبايس Anatoly Chubais, استقالته على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، ومغادرته البلاد دون نية العودة إليها مجدداً.

وكان تشوبايس البالغ من العمر 66 عاماً مسؤولاً خلال السنوات الماضية عن إصلاح السياسات الاقتصادية الروسية، التي خلقت انتعاشاً غير مسبوق في القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك استقال لنفس السبب أركادي دوركوفيتش Arkady Dvorkovich, وهو أحد أبرز مساعدي الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف. وعقَّب الكرملين على استقالة أناتولي تشوبايس، مشيراً إلى أن الأخير استقال من منصب مبعوث الكرملين الخاص طواعية ولأسباب خاصة. وخلال محاولة وكالة أنباء «رويترز» التواصل مع تشوبايس للوقوف على دواعي وملابسات تقديمه الاستقالة، أغلق هاتفه؛ بينما رفض مصدران روسيان آخران التواصل للإدلاء بمعلومات حول المكان الذي يتواجد فيه المسؤول الروسي السابق.

فحيح التخابر

ولا يغيب فحيح التخابر والتخابر المضاد بين الولايات المتحدة وروسيا عن ميادين القتال الدائر في أوكرانيا؛ وترى دوائر متخصصة في العمل الاستخباراتي أن «العناصر الرمادية» سواء الروسية أو الأمريكية تنتشر في مختلف الساحات الأوكرانية بشكل يفوق الحروب السابقة على مر التاريخ. وفي حين تعزو الدوائر نجاحاً مبهراً للاستخبارات الأمريكية عند كشف اعتزام بوتين مبكراً غزو أوكرانيا وإعلان الحرب عليها؛ تقلل دوائر أخرى من ذلك؛ مشيرة إلى أن عمليات الحشد العسكري والتصريحات الروسية ذاتها التي استبقت الحرب، كانت كفيلة من البداية بتحديد نوايا بوتين إزاء أوكرانيا ومعسكر الغرب بشكل عام.

إلا أنه بعيداً عن تباهي فريق بقدراته الاستخباراتية على حساب آخر، تندمج جواسيس كل الأطراف الضالعة في الحرب الأوكرانية لدرجة يصعب فيها الفصل بين تلك العناصر واللاجئين، وقوات الأمن، والعاملين في المنظمات الإنسانية، وما تبقى من دبلوماسيين وسياسيين. ويمكن رصد ذلك إلى حد كبير، حسب صحيفة «معاريف» العبرية في مدينة لافيف الواقعة غرب أوكرانيا؛ بينما يزيد الشك والريبة وتصفية الحسابات في كل زوايا العاصمة كييف، لا سيما بعد إلقاء القبض على نيستور شوربيتز، وهو سياسي روسي «محتمل» إثر الاشتباه في قيامه بتصوير مواقع أمنية أوكرانية ونقل الصور إلى الروس.

وقبل أيام أصدر جهاز الأمن المركزي الأوكراني بياناً غامضاً، انتشرت على أساسه وبشكل سريع شائعات تفيد بأن الأوكراني دينيس كيرييف، وهو أحد أعضاء وفد المحادثات الدائرة بين موسكو وكييف لقي حتفه في ظروف غامضة بعد كشف نشاطه الاستخباراتي لصالح روسيا. إلا أنه بعد نشر البيان اتضح أن العكس هو الصحيح، ومن غير المستبعد ضلوع أجهزة الاستخبارات الروسية في تصفية كيرييف. ويعد الأخير واحداً من بين ثلاثة ضحايا آخرين سقطوا على خلفية الاشتباه في نشاطهم الاستخباراتي، ووصفوا بأنهم «جواسيس» لقوا حتفهم في عمليات سريَّة لم يتم تحديدها «دفاعاً عن الوطن».

وحدات روسية

وفي السياق لا يكشف الرئيس الأوكراني زلينسكي نفسه عن مكان تواجده وعائلته، ويظهر في خطاباته بشكل مفاجئ وتحت حراسة أمنية مشددة. وفور اندلاع الحرب في أوكرانيا تواترت تقارير حول تسلل وحدات روسية سرية وخاصة إلى المدن الكبرى للمساعدة في احتلالها من الداخل؛ بالإضافة إلى انتشار عناصر من المليشيات المرتزقة الروسية المعروفة بـ«فاغنر»، وهي العناصر التي اتسع نشاطها إلى حد كبير في مناطق الصراع، لا سيما في سوريا وأفريقيا.

وفي مدينة لافيف التي يختلط فيها الحابل بالنابل، رصدت دوائر استخباراتية أوكرانية وجود علامات مريبة على مؤسسات ووحدات سكنية لشخصيات مسؤولة، وتأكدت الدوائر أن الهدف من هذه العلامات هو مساعدة سلاح الجو الروسي في عمليات استهداف لاحقة. ويزعم أحد كبار المسؤولين في المدينة ذاتها أنه اكتشف سيارة ترابض تحت منزله، وتحوي بداخلها جواسيس روس؛ وحين اقترب من السيارة، لوَّح شخص مسلح داخل السيارة في وجهه ببندقية، وأمره بالابتعاد عن المكان، مدعياً أنه رجل أمن؛ وفيما ابتعدت السيارة عن المكان بعد فترة، لم تستطع شرطة المدينة تحديد هويتها، أو العناصر المسلحة التي تستقلها.

مذكرة سريَّة

وتتقاطع تلك المعطيات مع مذكرة شديدة السريَّة بعث بها قادة وحدة مكافحة التخابر المضاد الأمريكية إلى سائر محطات وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA في مختلف دول العالم، وأفادت المذكرة التي تحصَّلت «نيويورك تايمز» على نسخة منها بأنه تم القبض على عدد مثير للقلق من عملاء الـ«CIA» في عديد الدول، خاصة لدى روسيا والصين؛ وأنه يجري التحقيق حالياً في ملابسات عشرات الحوادث من هذا النوع. وتضمنَّت المذكرة شديدة السريَّة عدداً معيناً من العملاء الذين «جرى إلقاء القبض عليهم وتصفيتهم من قبل أجهزة استخبارات منافسة».

وقال مسؤولون كبار في واشنطن إن مستوى التفاصيل الواردة في الرسالة يجسِّد أهمية المذكرة؛ بينما رأت «نيويورك تايمز» في تعليقها على المذكرة وما تضمنته أن الرسالة تشير إلى عدد محدد من العملاء الذين قُتلوا خلال القيام بمهام سريَّة، وهو ما يغاير المنهج المتبع في السابق لدى الـ«CIA»، إذ كانت تخيِّم السرية على تلك المعلومات، ولا يُسمح باطلاع الرأي العام عليها، حتى إنها كانت بعيدة أيضاً عن ناظري بعض كوادر وكالة المخابرات المركزية؛ وربما يعود ذلك إلى انتعاش عمليات التخابر المضاد في روسيا والصين، تزامناً من اندلاع الحرب الدائرة في أوكرانيا، وحرص الاستخبارات الروسية على تحديد مواقع عناصر الـ«ـCIA»، وتحويلهم إلى عملاء مزدوجين.

وأشارت المذكرة السريَّة أيضاً إلى ما وصفته بـ«بعض الأعطاب» في أسلوب عمل مكاتب الاستخبارات الأمريكية؛ ويأتي في طليعتها الاعتماد المفرط على المصادر، وعدم التريُّث وتوخي الحذر عند تجنيد عناصر جدُد، والعزوف عن الانتباه إلى التهديدات الاستخباراتية المحتملة. في المقابل، توضح المذكرة تطور أسلوب أجهزة الاستخبارات المنافسة، خاصة الروسية والصينية في كشف عمليات تخابر الـ«CIA»، وابتكارها آليات أكثر تعقيداً، تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وأدوات التعرُّف على ملامح الوجه، وطرق الاختراق الأخرى.

وحصلت الصحيفة في نهاية تقريرها إلى أن عديد ضباط الاستخبارات المركزية قد تم ترقيتهم إلى مناصب أعلى خلال الآونة الأخيرة على خلفية تجنيد العديد من الجواسيس بغض النظر عن نجاح أو إنجازات أو نوعية هؤلاء. ونقلت «نيويورك تايمز» في هذا الخصوص عن دوجلاس لندن، الذي عمل في السابق لدى الـ«CIA» قوله: «لا أحد يدفع الثمن عندما تسوء الأمور مع أي عميل. غالباً مع تخرج الأمور عن سيطرتها، لكنه ينبغي الاعتراف في المقابل أيضاً بوجود حالات إهمال عديدة، وأن كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية لا يخضعون للحساب نهائياً».