الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

«الصفقات العسكرية» ترفع الهند من قائمة إدانات روسيا في أوكرانيا

«الصفقات العسكرية» ترفع الهند من قائمة إدانات روسيا في أوكرانيا

روسيا تعد أكبر مورد للأسلحة للهند بينما تعد الأخيرة أيضاً أكبر وكيل عسكري لموسكو.

التحديث والصيانة وقطع الغيار تعزز علاقات موسكو ونيودلهي رغم عقوبات الغرب

مقاتلات «ميغ» و«سوخوي» و3500 دبابة تفرض على بايدن «الأسلوب المعتدل»

تحكَّمت لغة الصفقات العسكرية بين الهند وروسيا في إحجام الأولى عن إدانة غزو الثانية لأوكرانيا، ورفضها الهجوم على موسكو في قاعات الأمم المتحدة، وحرصها تزامناً مع كل ذلك على تعزيز أواصر العلاقة بين البلدين؛ حتى أن نيودلهي لم تكترث بسخط معسكر الغرب حين واصلت إنعاش العلاقات الاقتصادية مع موسكو، حتى في ظل العقوبات المؤلمة التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على الكرملين.

قبل ما يربو على عامين، وحين قتلت الصين ما يقرب من 20 جندياً هندياً إثر اشتباكات مع الهند بمنطقة الحدود الجبلية في الهيمالايا، كانت معظم المعدات العسكرية التي عززت بها الهند جيشها صناعة روسية؛ وكان ذلك من أبرز شواهد تقارب العلاقات العسكرية بين نيودلهي وموسكو، التي وصفها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي العام الماضي بـ«الصديق القديم». وتثير تلك العلاقات في الوقت الراهن غضب الغرب، خاصة في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا، وحقيقة أن الهند ما برحت حتى الآن ترفض إدانة روسيا على خلفية الحرب.

أسلوب معتدل

ولم تمتنع الهند فقط عن إدانة روسيا عند تصويت الأمم المتحدة على موقف المجتمع الدولي من الحرب الأوكرانية، إنما لم تتراجع حتى الآن عن شراء النفط والبضائع الروسية، رغم الضغوطات التي تمارسها دول الغرب على موسكو؛ لتبقى الهند الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تدير علاقات وطيدة بالولايات المتحدة، ولا تتنازل في المقابل عن علاقاتها المتشعبة والمتينة بروسيا؛ ما حدا بالرئيس الأمريكي جون بايدن إلى انتقاد الهند بـ«أسلوب معتدل» الأسبوع الماضي، وقال إن توجُّه الهند «ليس مستقراً». أما الانتقاد الحاد نسبياً، فجاء الخميس الماضي على لسان رئيس وزراء أيرلندا مايكل مارتن، الذي قال إن سياسة نيودلهي «غير مقبولة».

ويبدو أن هناك عديداً من الأسباب التي تحول دون تبني الهند موقفاً مناهضاً من روسيا، ولعل أبرز هذه الأسباب هو اعتمادها الكبير على صفقات الأسلحة التي تشتريها من موسكو، حسب وكالة «أسوشيتد برس»؛ ففي الفترة ما بين 2017 حتى 2021، كانت الهند أكبر مستورد للأسلحة الروسية على مستوى العالم، ووصل حجم مشترياتها العسكرية من روسيا إلى النصف تقريباً خلال الفترة ذاتها. وتبيع موسكو نيودلهي 28% من حجم صادراتها العسكرية، وهو ما يمثل نصيب الأسد في حجم التجارة بين البلدين.

إقرأ أيضاً..الصين «تعيد تموضعها» في النظام العالمي الجديد

مكونات الجيش

ولا يمكن تجاهل لغة الأرقام عند التعمُّق في تحليل مكونات الجيش الهندي وعلاقتها بالصناعات العسكرية الروسية؛ فالدبابات التي يمتلكها الجيش الهندي التي تقترب من 3500 دبابة جميعها تقريباً صناعة روسية؛ وكذلك الحال بالنسبة للمقاتلات، التي تنتمي في معظمها إلى طرازات «ميغ»، و«سوخوي» الروسية. أما على الجبهة البحرية؛ فحاملة الطائرات الوحيدة التي يمتلكها الجيش الهندي، تعود في الأساس إلى أصول سوفييتية، وكانت تحمل اسم «الأدميرال غورشكوف» نسبة إلى أدميرال سبق له الخدمة في البحرية الروسية. وبموجب اتفاق بين حكومتَيْ موسكو ونيودلهي، جرى تطوير حاملة الطائرات الروسية وبيعها للهند. إضافة إلى ذلك، تنتمي المدمرات الأربعة التي تمتلكها البحرية الهندية أيضاً إلى الصناعات الروسية؛ وكذلك الحال بالنسبة لـ8 غواصات من 14 غواصة غير نووية لدى الأسطول البحري الهندي، حسب صحيفة «نيويورك تايمز».

إلى ذلك، تنتظر الهند تدفقات عسكرية أخرى من روسيا، ومنها صفقة بقيمة 5 مليارات دولار، تشتري بموجبها نيودلهي منظومات دفاعات جوية من طراز S-400. ويقول منوغ غوشي، وهو عضو سابق في طاقم الحكومة الهندية، الذي قاد إصلاحات جوهرية في قطاع الأمن: «في ظل اعتماد الهند بهذا الشكل على روسيا، فمن الصعب جداً اتخاذ موقف مغاير لموقف نيودلهي الحالي حيال موسكو». وأضاف أن ارتباط الهند العسكري بروسيا لا يقتصر فقط على شراء الأسلحة، نظراً لأنه في كثير من الأحيان، وحتى بعد مرور عشرات السنين من عمليات شراء الأسلحة، هناك حاجة أيضاً إلى رفع أداء الأسلحة، وصيانتها، وشراء قطع غيار من الروس.

وحسب ما نقلته دوائر إعلامية غربية عن خبراء في المجال، فالتكنولوجيات العسكرية الروسية أقل في أسعارها جداً إذا ما قورنت بنظيرتها لدى الغرب. وأبدت الدول الغربية أكثر من مرة قلقاً إزاء بيع روسيا تكنولوجيا عسكرية بشكل لا يحول دون إعادة إنتاجها ذاتياً في الهند. وفي السياق يقول غوشي: «تبيع الولايات المتحدة كل شيء، لكنها تفرض في المقابل شروطاً صارمة حيال الاستخدام؛ كما أنها تتفادى حتى الآن بيع أنواع معينة من الأسلحة للهند وذلك على النقيض تماماً من روسيا».

إقرأ أيضاً..«توازن الرعب» ..زيادة الإنفاق العسكري يرفع مخاطر تراجع ألمانيا اقتصادياً

أول دفعة

وشرعت العلاقات العسكرية التي يدور الحديث عنها بين نيودلهي وموسكو تؤتي ثمارها خلال الحرب الباردة؛ فرغم حفاظ الهند رسمياً على الحياد خلال هذه الفترة، لكنها انحازت في حقيقة الأمر إلى الاتحاد السوفييتي، ويعود هذا الموقف في الغالب إلى تأييد الولايات المتحدة باكستان خصم الهند اللدود. وفي 1962، اشترت الهند من الاتحاد السوفييتي أول دفعة من مقاتلات «ميغ 21». وفي العام ذاته، تعززت العلاقات بين الهند وروسيا، خاصة في أعقاب الهزيمة الهندية أمام الصين في الحرب على الحدود المشتركة فيما بينهما.

وخلال الحرب التي اندلعت أيضاً بين الهند وباكستان في 1971، التي أفضت إلى ظهور دولة بنغلاديش، ساهمت قوة العلاقات الهندية الروسية في حصول نيودلهي على مساعدات من الاتحاد السوفييتي، حين أرسل سفناً إلى المحيط الهندي في محاولة لردع الضلوع الأمريكي المباشر في الحرب الدائرة، لا سيما في ظل سعي واشنطن حينئذ إلى مساعدة باكستان. وقبل ذلك بفترة وجيزة، وقَّعت الهند مع الاتحاد السوفييتي اتفاق تعاون مشترك بين الجانبين.

وحين انهار الاتحاد السوفييتي في 1991، جرى تصنيع ما بين 70 إلى 80% من المعدات العسكرية الهندية في روسيا، لكن الهند تراجعت عن هذا النهج خلال السنوات القليلة الماضية، وشرعت في تنويع تسليحها عبر شراء معدات عسكرية من جهات أخرى، خاصة من فرنسا، والولايات المتحدة، وإسرائيل؛ حتى أنها بدأت في إنتاج بعض المعدات العسكرية نفسها ذاتياً، حسب «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام».

رغم ذلك، لم تعد روسيا فقط أكبر مورد للأسلحة للهند، وإنما ظلت الأخيرة أيضاً أكبر وكيل عسكري لموسكو. وأوضح باحث سياسي – عسكري هندي في لقاء مع وكالة أنباء «فرانس برس»: «تظل روسيا دائماً محصنة إزاء أية ضغوطات خارجية، وتمدنا بالوسائل القتالية وقت الحاجة، ودون أدنى تردد. لن تغير الحرب الدائرة في أوكرانيا الوضع المعقد في منطقتنا». وتساءل: «لماذا إذاً نفكر في البحث عن حليف آخر غير روسيا، وهى أقدم وأوثق جهة تزود الهند بالسلاح؟».