الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

تقدير موقف | الحرب في أوكرانيا تؤسس لمرحلة «لا مكان للحياد»

تقدير موقف | الحرب في أوكرانيا تؤسس لمرحلة «لا مكان للحياد»

البرلمان الفنلندي ناقش الانضمام لحلف الناتو في إطار ما يعرف بالتعبير عن رأي النواب.

سويسرا بصدد منح صفة اللجوء المؤقت للنازحين من أوكرانيا

53 % من الفنلنديين يؤيدون الانضمام إلى الناتو

السويد تنشر تعزيزات عسكرية في جزيرة غوتلاند في بحر البلطيق

لعب القيصر الروسي ألكسندر الأول، الذي تربى على يد العلامة السويسري فريديريك سيزار دي لا هارب، دوراً كبيراً في منح صفة «الحياد» لسويسرا منذ أكثر من 200 عاماً، عندما منح مؤتمر فيينا عام 1812 صفة «الحياد للأبد» إلى سويسرا، لتكون عازلة بين فرنسا من جانب، والنمسا من جانب آخر، وكان الهدف هو وقف الصراعات والحروب التي انتهت بهزيمة نابليون في الحروب النابليونية الشهيرة ضد روسيا، وهو ما أطلق عليه نظام «التوازن» والذي هندسه المستشار النمساوي مترنيخ، واستمر يحافظ على الأمن في أوروبا حتى حروب توحيد ألمانيا على يد المستشار الألماني بسمارك.

ورغم نجاح سويسرا في الحفاظ على الحياد خلال الحربين، العالمية الأولى والثانية، وخلال الحرب الباردة، وحتى خلال الثلاثة عقود السابقة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في 25 ديسيمبر 1991، إلا أن روسيا التي ساهمت في منح صفة الحياد لسويسرا أصبحت هي الدولة التي تتعرض لعقوبات سويسرية، وهو ما فسره بعض السويسريين بأن بلادهم تفقد «صفة الحياد» بعد أن أعلن الرئيس السويسري، إغناسيو كاسيس، أن بلاده ستتبنى عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، من بينها تجميد أصول، وذلك على خلفية الهجوم العسكري الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، معتبراً أن غزو موسكو غير مقبول على أساس أخلاقي وسياسي، وأن المجلس الاتحادي السويسري «الحكومة» قرر بالإجماع تبني عقوبات الاتحاد الأوروبي بالكامل التي تشمل تجميد الأصول، وفق ما نقلت وكالة أسوشيتد برس عن الرئيس كاسيس، الذي يرى أن الحياد لا يعني لامبالاة، مكرراً إدانة سويسرا للهجوم الروسي على أوكرانيا، واصفاً إياه بأنه «انتهاك خطر للقانون الدولي».

كما أن تعاطف المجتمع المدني السويسري مع النازحين من الحرب الروسية الأوكرانية لم يتوقف عند الدعوة لمساعدتهم، بل خرجت مظاهرات حاشدة ضد روسيا، منها خروج ما يقدر بنحو 20 ألف متظاهر في مدينة زيورخ تقودهم رئيسة البلدية كورين ماوخ، ونددوا خلال المظاهرات بخرق الحكومة الروسية للقانون الدولي، بالإضافة إلى تأكيد وزيرة العدل السويسرية كارين كيلر سوتر، في 28 فبراير الماضي، أن سويسرا بصدد التفكير في منح صفة اللجوء المؤقت إلى النازحين من أوكرانيا.

إقرأ أيضاً..«توازن الرعب» ..زيادة الإنفاق العسكري يرفع مخاطر تراجع ألمانيا اقتصادياً

فنلندا والسويد

لم تتوقف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على تآكل مساحات الحياد في أوروبا عند سويسرا وجبال الألب، بل امتدت إلى أقصى الشمال إلى السويد وفنلندا المعروف عنهما الحياد في الصراعات الأوربية، وتقف فنلندا والسويد بعيداً عن الصراعات منذ القرن الـ19، واستمر هذا الموقف القريب جداً من الحياد لما يزيد على 70 عاماً، بما فيها العقود الثلاثة الماضية التي انفردت فيها الولايات المتحدة كقطب واحد في قيادة العالم، ورفضت هلسنكي وستوكهولم الانضمام إلى حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، الذي تشكل عام 1949، كما رفضوا الانضمام لحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق الذي تأسس عام 1955، لكن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت فنلندا والسويد إلى تغيير مواقفهما من الحياد و دراسة الانضمام لحلف الناتو، وسبق لهما أن أعلنا بأنهما سوف ينضمان لحلف شمال الأطلسي «الناتو» لو قامت روسيا بغزو أوكرانيا، فالبرلمان الفنلندي ناقش الانضمام لحلف الناتو في إطار ما يعرف بالتعبير عن رأي النواب دون اتخاذ قرار نهائي، لكنه ناقش ورقة موقعة من الشعب تدعو لتنظيم استفتاء شعبي حول انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» بعدما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا.

وتشير غالبية استطلاعات الرأي أن الشعب الفنلندي سوف يوافق على الانضمام إلى حلف الناتو حال موافقة الحكومة على تنظيم هذا الاستفتاء الشعبي، وأن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا زادت من رغبة الفنلنديين في الانضمام لحلف الناتو، حيث أظهر استطلاع للرأي، للمرة الأولى في تاريخ فنلندا، وجود أغلبية واضحة تؤيد انضمام البلاد إلى التحالف العسكري الغربي، حيث نجح نحو 50 ألف مواطن في جمع توقيعات لصالح الانضمام للناتو، وهو ما فرض على الحكومة الفنلندية طرح الأمر على البرلمان، ودفع كل هذا الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو ليقول إن بلاده «مستعدة لمناقشة إمكانية الانضمام إلى حلف الناتو، لأن الوضع تغير بشكل كبير.. أول مرة نرى الأغلبية تؤيد الانضمام إلى حلف الناتو، وفقاً لاستطلاعات الرأي، نحن الآن منفتحون على مناقشة هذا الأمر في البرلمان»، حسبما ذكرت شبكة سبوتنيك، التي قالت إن 53% من الفنلنديين يؤيدون الانضمام إلى الحلف، حيث تضاعف عدد المؤيدين للانضمام في غضون أسابيع قليلة فقط، فكان عددهم في يناير 28% فقط، وهو ما يؤكد أننا أمام وضع جديد تماماً بعد أن رفض الشعب الفنلندي على مدار أكثر من 200 عاماً تغيير وضع الحياد في بلاد تشكل خامس مساحة في أوروبا.

إقرأ أيضاً..«حروب الظل».. مذكَّرة سرية تؤكد اصطياد عملاء «CIA»

قلق الأطفال من الاجتياح

وفي السويد يدور جدل كبير حول ضرورة انضمام السويد إلى حلف الناتو، وردّت ماغدالينا أندرسون رئيسة الحكومة السويدية على تحذيرات الخارجية الروسية من الانضمام لحلف الناتو، وقالت «السويد هي التي تقرر بنفسها وبشكل مستقل خط سياستها الأمنية»، ورغم أن مملكة السويد ظلت محايدة طوال قرنين من الزمان، فإنها تتميز عن سويسرا وفنلندا بأن لها جيشاً كبيراً، وتستطيع حشد جيش يصل إلى مليون جندي، كما أنها تنتج جميع الأسلحة المتقدمة بداية من الطائرات المقاتلة، وحتى الطرادات العسكرية والذخائر الفتاكة، وفق مجلة «ذا مجازين»، ولهذا قامت السويد لأول مرة في منتصف يناير الماضي بنشر تعزيزات عسكرية في جزيرة غوتلاند في بحر البلطيق في ظل التوتر الشديد مع موسكو، وتناقش الصحف السويدية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قضايا مثل كيف يمكن للسويد أن تقاوم اجتياحاً؟ كما أن الأطفال في السويد ينقلون لذويهم قلقهم حيال شائعات حول هجوم روسي تبثها منشورات على تيك توك، بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. تآكل مساحات الحياد ليس فقط في الدول التي ظلت على الحياد عقوداً وقروناً، بل باتت حتى لدى الدول التي كانت تعمل على مسافة واحدة خارج أوروبا مع روسيا والولايات المتحدة والصين، وهو ما يشير عملياً إلى بدء مرحلة جديدة شعارها «لا مكان للحياد».