الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

ورقة الروبل.. هل يستطيع بوتين المناورة للضغط على الغرب؟

ورقة الروبل.. هل يستطيع بوتين المناورة للضغط على الغرب؟

رجال الإنقاذ يحاولون انتشال جثث ضحايا العمليات العسكرية في كييف. ( أ ف ب )

موسكو قادرة على إعادة صياغة اتفاق الغاز مع أوروبا إذا كان القرار جاداً

القرار يؤثر على الصادرات الروسية وقدرة موسكو على سداد الديون المستحقة

فرضت علامات استفهام كبيرة نفسها على قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تمرير قرار تصدير غاز بلاده إلى أوروبا بالعملة المحلية «الروبل». هل يفعلها؟ أم أن هناك عراقيل قد تحول دون تمرير الخطوة بمنظور قانوني؟ أم أنها مجرد مناورة لممارسة ضغوطات على معسكر الغرب، لتفضي في نهاية المطاف إلى تحرر موسكو من العقوبات المفروضة عليها؟

ويعلم بوتين مدى فاعلية الورقة التي يناور بها، لا سيما في ظل اعتماد أوروبا على بلاده في 40% من الغاز، وشح الطرق البديلة أو على الأقل تباطؤ خطوات العثور عليها بين عشية وضحاها؛ ولعل ذلك هو ما أثار حالة من الفوضى لدى القارة العجوز، واعتبرت قرار رجل الاستخبارات السابق مخالفاً للعقد المبرم مع موسكو، الذي ينص على تسديد قيمة الصفقات بالدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي. وفي حين تخلو مصارف أوروبا المركزية من العملة المحلية الروسية، فتح بوتين ثغرة في نهاية النفق، مقترحاً الـ«يوان» الصيني بديلاً عن «الروبل» فيما يعد ضربة عنيفة للعملتين الأوروبية والأمريكية. وأياً كانت العواقب، فالسؤال لم يبرح مكانه: هل يفعلها بوتين؟

إقرأ أيضاً.. تقدير موقف | الحرب في أوكرانيا تؤسس لمرحلة «لا مكان للحياد»

مهلة أسبوع

في اجتماع عقده قبل أيام مع كبار مستشاريه في الكرملين، قال بوتين نصاً: «ستواصل روسيا بالطبع إمداداتها من الغاز الطبيعي بما يتسق والكميات والأسعار المحددة في الاتفاقيات المبرمة معها؛ لكن التغييرات ستطرأ فقط على هوية عملة تسديد عوائد الغاز، لتتغير من الدولار أو اليورو إلى الروبل الروسي». وأمهل بوتين الحكومة الروسية والمصرف المركزي في بلاده أسبوعاً لإيجاد حل لتغيير السياسات؛ كما طالب عملاق الغاز الروسية «غازبروم» بتغيير اتفاقات تصدير الغاز بما يتناغم مع القرار الجديد.

وحسب بيانات «غازبروم»، تلقت روسيا حتى نهاية يناير الماضي 58% من عوائد تصدير الغاز الطبيعي إلى دول أوروبية وغيرها بعملة اليورو؛ بينما تحصلت موسكو على عوائد بنسبة 39% بالدولار؛ و3% فقط بالجنيه الاسترليني.

وحال تمرير قرار بوتين، تواجه الدول الأوروبية على وجه التحديد صعوبة في الحصول على الغاز الروسي في ظل تسديد قيمة عوائد يومية تراوح ما بين 200 و800 مليون يورو. وعند التطرق إلى إعلان بوتين، يدعي قادة الاتحاد الأوروبي حالياً أن ما يعتزم بوتين فعله، يعد خرقاً صارخاً للاتفاق المبرم مع موسكو بهذا الخصوص.

تقديرات هادئة

لكن التقديرات الأوروبية الهادئة تؤشر إلى أن الرئيس الروسي يمتلك الخبرة الكافية في الالتفاف على العقوبات الدولية، ويحاول مواجهة العقوبات المؤلمة المفروضة على بلاده منذ غزو أوكرانيا. وفي حين انفردت الولايات المتحدة بحزمة العقوبات الأكبر على روسيا، بات الانشقاق يخيم على الدول الأوروبية حول إشكالية اتخاذ قرار بفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، رغم اعتمادها شبه الكلي عليه.

وبطبيعة الحال، يؤكد قادة الاتحاد الأوربي عجز الرئيس الروسي عن إلزامهم بتسديد عوائد الغاز بـ«الروبل»، نظراً لما ينطوي عليه ذلك من خرق صارخ لاتفاقية تصدير الغاز المبرمة مع موسكو. وخلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة التي جرت في بروكسل، قال المستشار الألماني أولاف شولتس إنه جرى تحديد هوية العملة التي تسدد بها الشركات الألمانية عوائد الغاز لروسيا؛ ويدور الحديث دائماً حول اليورو أو الدولار. وردد رئيس الوزراء الإيطالي هو الآخر نفس الكلام، وأوضح: «يجب أن نتفهم أن ما يفعله بوتين يعد خرقاً للاتفاق معنا». أما رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، فاتفقت ما الآراء المطروحة، وقالت: «لن نسمح لروسيا بالالتفاف على العقوبات التي فرضناها عليها. لقد مضى عهد استخدام الطاقة في ابتزازنا».

غياب الجدية

وحسب خبراء قانونيين، لن تستطيع روسيا بشكل أحادي الجانب تغيير الاتفاقات المبرمة بهذا الخصوص. ووفقاً لما نقلته دوائر إعلامية أوروبية عن كبير خبراء «معهد السياسات العامة والحكومية» في جامعة سيدني، تيم هوركورت، تنص الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين الروسي والأوروبي على أن تكون عملة تسديد عوائد الغاز الروسي باليورو أو الدولار الأمريكي، وإذا حاول أحد الأطراف بشكل أحادي الجانب تغيير هوية العملة المنصوص في الاتفاق، فيعد ذلك خرقاً وينسف الاتفاق من أساسه.

ووفقاً لادعاء سوزان سكيمر، أستاذ القانون في جامعة يوستون بالولايات المتحدة، ومستشار صفقات الغاز الطبيعي، فلا تتضح مدى جدية إعلان الرئيس الروسي في هذا الصدد؛ وعلى حد قولها، ربما يقتصر قرار بوتين على الرغبة في رفع قيمة «الروبل» أمام الدولار، أو رفع أسعار الغاز على أوروبا؛ إلا أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب وقتاً طويلاً، إذ يحافظ الرئيس الروسي حالياً على ارتفاع أسعار الغاز، وهو الأمر الذي يخدم مصالحه إلى حد كبير.

إقرأ أيضاً..«الصفقات العسكرية» ترفع الهند من قائمة إدانات روسيا في أوكرانيا

تأثر أمريكي

في المقابل، تعتقد دوائر أوروبية أخرى قدرة بوتين على صياغة اتفاقات جديدة، يقتصر تسديد عوائد الغاز الروسي فيها على «الروبل»، وهو ما يفرض على حكومات العالم، لا سيما الأوروبية منها، شراء كميات هائلة من العملة المحلية الروسية وإيداعها في مصارفها المركزية. وحسب وزير الخارجية البلغاري أليكسندر نيكولوف، تمتلك بلغاريا عديد الطرق التي تمكنها من تسديد عوائد الغاز الروسية بـ«الروبل»، وقال في هذا الخصوص: «نحن نتوقع كل شيء غير تقليدي، وجرى التداول حول الخطوة الروسية منذ فترة طويلة، ولن يؤثر تسديد عوائد الغاز الروسي بـ«الروبل» على الاتفاقات القائمة».

وتحت عنوان تأثيرات الخطوة الروسية المزمعة على المدى البعيد، تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن دولاً مثل روسيا والصين وإيران وغيرها نجحت في المساس بهيبة الدولار في السوق الدولية، وبالقرارات التي تفرض من خلالها الإدارة الأمريكية العقوبات؛ لكن قرار بوتين المزمع اتخاذه ينطوي على آثار سلبية بعيدة المدى على روسيا؛ وحسب ليام بيتش أحد خبراء شركة البحوث البريطانية «كابيتول إيكونوميكس»، قد تواجه موسكو عبر هذه الخطوة صعوبة في سداد الديون الدولية المستحقة عليها، بالإضافة إلى تقليص حجم الصادرات الروسية، وهو ما يؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي على المدى البعيد.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه إذا نجحت هذه الخطوة بالفعل، فقد تؤدي إلى انخفاض القيمة العالمية للدولار، حيث ستعتمد حركة التجارة على «الروبل» أو الـ«يوان» الصيني أو عملات أخرى. وهذا بالطبع ينطوي على تأثير كبير على سوق الولايات المتحدة والقروض.