الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

اليورانيوم الروسي.. ورقة مؤجلة في مواجهة أمريكا والغرب

اليورانيوم الروسي.. ورقة مؤجلة في مواجهة أمريكا والغرب

توقعات بارتفاع الطلب العالمي على اليورانيوم إلى نحو 206 ملايين2030

ركزت الحرب الروسية – الأوكرانية، أنظار العالم على الأوراق السياسية والاقتصادية والعسكرية التي في متناول سيد الكرملين، الرئيس فلاديمير بوتين، التي يمكن أن يستفيد منها في الصراع ضد الولايات المتحدة والدول الغربية، وكانت ورقة الطاقة في المقدمة، خاصة مبيعات الغاز والنفط والفحم الروسية، التي تشكل نحو 40% من إجمالي مصادر الطاقة في القارة الأوروبية، بحسب وكالة بلومبيرغ.وفي إطار العقوبات الغربية، علقت الولايات المتحدة مشتريات الغاز والنفط من روسيا، بينما ما تزال القارة الأوروبية تبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي، مع تأكيد الجميع استحالة الاستغناء عن الغاز والنفط الروسي بشكل فوري.

الاحتياج لليورانيوم الروسي

لكن الولايات المتحدة التي تطالب حلفاءها الأوروبيين، بالاستغناء عن الغاز والنفط والفحم الروسي، تجاهلت حتى الآن اتخاذ قرارات فورية ضد اليورانيوم الروسي، الذي يشكل أكثر من 16.5% من مصادر الطاقة لنحو 96 محطة لإنتاج الطاقة النووية الأمريكية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».ودفع هذا الموقف بعض الشركات الأوروبية التي تستورد الغاز والنفط الروسي، لانتقاد الولايات المتحدة التي تستهلك 18 مليون برميل من النفط يومياً، كان يأتي منها 5% فقط من روسيا.فكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع ملف اليورانيوم الروسي، في ظل توجه بعض الليبراليين والتقدميين من الحزب الديمقراطي، للبحث عن بديل لليورانيوم الروسي؟ وهل يمكن أن يتحول اليورانيوم الروسي إلى سلاح بيد الرئيس بوتين الذي تربى داخل الـ«كي جي بي»، ويدرك لغة الحبر السري التي تستفيد من كل الأوراق المتاحة، بما فيها ورقة اليورانيوم؟

طاقة بديلة ورخيصة

تتحول كثير من الدول إلى إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة النووية، لأسباب كثيرة، لكن أبرزها أن الطاقة النووية تتميز بانخفاض الانبعاثات الكربونية، ورخص الثمن، خاصة في الدول ذات الاستهلاك الصناعي والكثيف للطاقة، مثل الصين، التي تعمل على التحول للطاقة النووية بدلاً من الفحم.ولهذا فهناك توقعات بأن يرتفع الطلب العالمي على اليورانيوم المخصب في السنوات القادمة، من نحو 162 مليون رطل مخصب في عام 2022، إلى نحو 206 ملايين في عام 2030، ونحو 2929 مليون رطل في عام 2040، وفقاً لبيانات الاتحاد النووي العالمي. وتشكل صادرات روسيا من اليورانيوم المخصب نحو 35% من الصادرات العالمية، وتنتج نحو 2846 طناً سنوياً من اليورانيوم الطبيعي قبل التخصيب، وهو ما يجعلها الدولة السابعة في العالم في استخراج اليورانيوم الطبيعي، لكنها الدولة الأولى عالمياً في تخصيب اليورانيوم، كما تحتل المرتبة الأولى في تصدير اليورانيوم المخصب المطلوب لتشغيل المفاعلات النووية السلمية.

إقرأ أيضاً..تايوان تصدر «دليل طوارئ» للمدنيين حال الاجتياح الصيني

اتفاقية آل جور – شيرنوميردين

على الجانب الآخر، تعد الولايات المتحدة أكثر الدول استهلاكاً لعنصر اليورانيوم، بحجم 19.16 ألف طن سنوياً، كما تحصل على 20% من الكهرباء في عموم الولايات المتحدة الأمريكية من 96 محطة نووية، بينما تنتج المفاعلات النووية نحو 40% من الطاقة الكهربائية في ولايات الساحل الشرقي الأمريكي، بحسب عالم الذرة الروسي إيجور إستروفيتس، الذي وصف وقف تصدير روسيا لليورانيوم المخصب بأنه سوف يشكل كارثة لواشنطن في مجال الطاقة، لأن الولايات المتحدة ليس لديها المحطات الحرارية البديلة للمحطات النووية، كما فعلت اليابان، بحسب تعبيره.وهدد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، بوقف تصدير اليورانيوم المخصب للولايات المتحدة، رداً على العقوبات الأمريكية على بلاده، وقال لوكالة تاس الروسية في 18 مارس الماضي «موسكو تدرس حظر صادرات اليورانيوم إلى الولايات المتحدة للانتقام من العقوبات».

ضغوط على البيت الأبيض

ويواجه البيت الأبيض سلسلة من التحديات، لا تقتصر فقط على تهديد روسيا بوقف تصدير اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة، بل يتعرض لضغوط داخلية خاصة من الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي، ومنتجي اليورانيوم المحليين، أو من الحلفاء الأوروبيين.فبعد مرور أسابيع على الحرب الروسية الأوكرانية، زادت الانتقادات الداخلية والأوروبية للموقف الأمريكي، لأنه يحث الأوروبيين لدفع فاتورة باهظة نتيجة الاستغناء عن الغاز والنفط الروسي من جانب، بينما يتباطأ الرئيس بايدن في وقف شراء اليورانيوم الروسي، ولهذا بدأت بعض التحركات الأمريكية التي وصفتها شبكة «سي إن إن» بأنها على استحياء لفرض عقوبات ضد شركة «روس أتوم» الروسية العملاقة التي وفرت 16.5% من اليورانيوم المخصب الذي تحتاجه محطات إنتاج الطاقة والكهرباء الأمريكية في عام 2020، الذي كشفت أرقامه أن صادرات «روس أتوم» تشكل 35% من إجمالي صادرات العالم من اليورانيوم المخصب، وفقاً لما نقلت وكالة بلومبيرغ عن مؤسسة «يو – إكس – سي».

ويزيد من الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تحصل على نحو 30% من اثنين من حلفاء روسيا، وهما كازاخستان وأوزبكستان، وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وحال فرض هذه العقوبات سوف تكون نهاية لما يقرب من 30 عاماً من التعاون الروسي الأمريكي في مجال اليورانيوم المخصب، بدأت بوادره بعد وفاة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وتجلت بقوة بعد أن وقع نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل جور اتفاقية مع رئيس الوزراء الروسي تشيرنوميردين عام 1994 بشأن بيع روسيا اليورانيوم المخصب للولايات المتحدة ليستخدم في المحطات النووية التي تنتج الكهرباء.ويزيد من هذه الضغوط على الرئيس الأمريكي أنه عندما استثنى البيت الأبيض اليورانيوم الروسي المخصب من العقوبات، طالب الاتحاد الأمريكي لمنتجي اليورانيوم، إدارة بايدن بوقف استيراد اليورانيوم الروسي، بينما مارست مجموعات القطاع النووية ضغوطاً ضد توقيع عقوبات على اليورانيوم في البلاد، على الأقل في الوقت الراهن، وفق بلومبيرغ.

إقرأ أيضاً..الهند وأمريكا.. تصريحات «حادة» وأجواء «متوترة»

البدائل الأمريكية

ويدرك البيت الأبيض حاجة الولايات المتحدة على المدى القريب لليورانيوم الروسي المخصب، لأنه الأرخص عالمياً، كما أنه يتمتع بجودة عالية، ناهيك عن أن الإنتاج الأمريكي حتى الآن ضئيل للغاية، بحسب الخبير في إمدادات اليورانيوم، كريس جادومسكي. لكن سواء قطعت روسيا إمدادات اليورانيوم المخصب، أم خضع الرئيس بايدن للضغوط الداخلية والأوروبية، فإن واشنطن تعتقد أنها تستطيع إدارة هذا الملف دون حدوث كارثة، كما يعتقد الروس، وتقوم المقاربة الأمريكية على أن المحطات النووية تشتري اليورانيوم المخصب لفترات طويلة مستقبلية تتراوح من 18 إلى 24 شهراً، وهو ما يوفر فرصة كبيرة لتنويع مصادر الاستيراد من دول أخرى مثل اليابان والصين وفرنسا، بحسب ماريا كورنيك، الرئيسة التنفيذية لـ«معهد الطاقة النووية». ونتيجة لذلك، تقدم السيناتور الجمهوري جون باراسو في مارس الماضي، بمشروع قانون لحظر واردات اليورانيوم الروسي، قائلاً في بيان صادر عن مكتبه «بينما يعد حظر واردات النفط والغاز والفحم الروسي خطوة مهمة، إلا أن حظر واردات اليورانيوم من روسيا سيزيد من تجفيف تمويل آلة الحرب الروسية، ويساعد على إحياء إنتاج اليورانيوم الأمريكي وزيادة أمننا القومي»، وهو موقف اتفقت معه كاثرين هوف، التي تترأّس مكتب الطاقة النووية بوزارة الطاقة الأمريكية، قائلة «إن غزو أوكرانيا أظهر نقاط ضعف الصناعة النووية، ومن الأهمية بمكان أن نبعد أنفسنا عن المصادر غير المستقرة وغير الموثوقة للوقود الأساسي لدينا، بما في ذلك اليورانيوم».كل المؤشرات تقول أن استمرار الحرب في الميدان، تفتح مزيد من جبهات الصراع واللكمات المتبادلة بين واشنطن وموسكو، ويبدو أن قطاع اليورانيوم المخصب هو الحلبة القادمة والجولة الجديدة في هذا الصراع.