الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

اليمين المتطرف قادم.. أوروبا تسارع الخطى نحو «تغيير الشعوب»

اليمين المتطرف قادم.. أوروبا تسارع الخطى نحو «تغيير الشعوب»

اليمين المتطرف في فرنسا حصل على 42 % في الانتخابات الرئاسية بأعلى 8 نقاط مقارنة بانتخابات 2017. أ ف ب

الشارع الأوروبي يفقد الثقة في أحزاب الوسط التي تسيطر على المشهد

دول أوروبية تتجه للتطرف نتيجة الإحساس بالتدني في مستوى المعيشة

أثار تنامي صعود تيار اليمين المتطرف خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية وحصوله على 42% من أصوات الناخبين مقارنة بنسبة لا تتعدى 34% خلال انتخابات 2017، تأكيدات على تزايد نفوذ اليمين المتطرف داخل فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، في وقت تعاني أوروبا من تحديات وجودية فرضتها الأزمة الأوكرانية الأخيرة. خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن التطرف اليميني أصبح موجه تعصف بكافة البلدان الأوروبية وليس فرنسا فحسب، ويرون أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تنامي صعود وانتشار اليمين المتطرف نابع من عدم ثقة الشارع الأوروبي بشكل عام لما يسمى أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط، التي كانت تسيطر على المشهد السياسي على مدى العقود الماضية؛ نتيجة عدم قدرتها على حل المشكلات التي بدأت تأخذ وضعاً دراماتيكياً داخل أوروبا، وأشاروا إلى أن الحل الوحيد لهذا التطرف هو التوجه نحو التطور الاقتصادي والاجتماعي.

مرحلة انتقالية

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس، ورئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية، دكتور آلان صفا، إن الانتخابات التي حدثت في فرنسا خلال السنوات الماضية، شهدت بداية انتقال الأحزاب السياسية المتطرفة من انتخابات الدرجة الثانية إلى انتخابات الدرجة الأولى، ما يدل على وجود نوع من التطرف في المجتمع الفرنسي، لافتاً إلى أن هذا الانتقال لم يبدأ منذ الانتخابات الرئاسية في 2017 عندما حصل اليمين المتطرف على نسبة تتعدى 34%، بل بدأ في عهد الرئيس الأسبق، جاك شيراك، وتطور في عهد ساركوزي، عندما بدأت الأحزاب اليمينية الدفاع عن ذات المنهج الذي تستخدمه الأحزاب اليمينية المتطرفة، واعتبار تلك الأفكار المتطرفة تدخل في إطار الديمقراطية، وتداولها في الصحف والبرامج التلفزيونية، بعد أن كانت غير مقبولة من قبل، مشيراً إلى أنه خلال تلك المرحلة بدأت الأحزاب المتطرفة تأخذ مكاناً جيداً في الاتجاهات السياسية الموجودة على الساحة الفرنسية، وشدد على أن التطرف اليميني أصبح موجة تعصف بكافة البلدان الأوروبية وليس فرنسا فحسب، لافتاً إلى وجود بعض الدول الاستثنائية، إلا أن معظم الدول تتجه نحو نوع من التطرف بسبب الإحساس بالتدني في مستوى المعيشة وقدرات الدول الأوروبية، إلى جانب الخوف من عدم الحفاظ على مركز الدول الأوروبية كدول متقدمة، الأمر الذي دفع الحكومات خلال الفترات السابقة إلى تخفيف القدرات المالية، لذا فإن الشعور بأن الوضع الاقتصادي ليس كما كان من قبل يولد هذا الخوف داخل المجتمعات الأوروبية، بالإضافة إلى انخفاض أعداد الشعوب الأوروبية مع دخول أعداد كبيرة من المجتمعات المختلفة إلى أوروبا، لا سيما المجتمعات الإسلامية، وخاصة القادمة من شمال أفريقيا، الأمر الذي يرجع لعدة أسباب أبرزها اختلاف الدين، فضلاً عن نمو التشدد وما صاحبه من تغطية صحفية داخل الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، بما أعطى العذر لقسم من الشعب الفرنسي للتعبير عن تطرفه باعتبار أن كافة الشعوب التي تأتي من الدول الإسلامية تشكل خطراً على المجتمع الفرنسي.

نظرية «تغيير الشعوب»

وأوضح أن نظرية «تغيير الشعوب» التي بدأ بعض الساسة تداولها عقب تدفق المهاجرين إلى أوروبا واعتبارها تنذر بالتغيير الكامل للشعوب الأوروبية، وبالتالي محو الشعوب الأوروبية، وإحلال الشعوب المهاجرة محلها، ليس لها أي عمق تحليلي، إلا أن تلك الأفكار بدأت تُعتنق من قبل قسم من الشعب الفرنسي، الذي بات يعتقد أن هناك خطراً على المجتمع الفرنسي ويجب حمايته، الأمر الذي دفعهم إلى اعتبار أن الحزب المتطرف هو الوحيد القادر على حمايتهم من هذا الأمر كونه الحزب الأول الذي أعلن رفضه عن توجه المهاجرين إلى فرنسا، وأشار «صفا» إلى أن التخوف الأوروبي لا ينحصر على المجتمعات الإسلامية فحسب، إذ لديهم تخوف من التطور الاقتصادي في الصين، وأن تبتلع الأخيرة الشركات الأوروبية، التي باتت غير قادرة على مواكبة التطور الصيني، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لديهم تخوف من روسيا، فضلاً عما رأيناه من عدم ثقة في الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً خلال عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، لذا فإن شعور الدول الأوروبية بالقلق من كل ما يدور حولها يشير إلى فقدان الثقة بالنفس أولاً، وبالتالي عدم تقبل كل ما يأتي من الخارج باعتباره المسؤول عن ما وصل إليه الحال في أوروبا، لافتاً إلى أن الأحزاب المتطرفة داخل كل الدول الأوروبية تلعب اللعبة ذاتها وتحاول أن تستغل خوف الشعوب من الأجانب من أجل أغراضهم السياسية.

وأكد أن الحل الوحيد لهذا التطرف هو التوجه نحو التطور الاقتصادي والاجتماعي داخل الدول الأوروبية، بما يخفف من شعور عدم الثقة بالنفس، وإعادة الأمور إلى طبيعتها داخل تلك الدول، مؤكداً أن الأحزاب المتطرفة داخل معظم الدول الأوروبية لم تستطع أن تدخل الحكم وأن تبقى داخله، مشيراً إلى أن معظم تلك الأحزاب فشل في تقديم حلول مقنعة للشعوب الأوروبية، لذا فإن استغلالهم خوف الشعوب الأوروبية يسمح لهم بالصعود نوعاً ما والدخول في الحكم، ولكن أفكارهم لا تنسجم مع ما تطلبه المجتمعات الأوروبية، منوهاً بأن هذا التطرف يأتي لكنه لا يغير كلياً المجتمعات الأوروبية.

إقرأ أيضاً..أمريكا بين المطرقة والسندان..هل تعود لـ«نووي إيران» أم تحافظ على الحلفاء؟

رفض السياسات

في السياق ذاته أكد منسق العلاقات العربية الألمانية في البرلمان الألماني، عبدالمسيح الشامي، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تنامي صعود وانتشار اليمين المتطرف نابع من عدم ثقة الشارع الأوروبي بشكل عام لما يسمى أحزاب يمين الوسط، ويسار الوسط، التي كانت تسيطر على المشهد السياسي على مدى العقود الماضية، نتيجة عدم قدرتها على حل المشكلات التي بدأت تأخذ وضعاً دراماتيكياً داخل أوروبا، مشيراً إلى أن اهتمام تلك الأحزاب ينصب بدرجة أكبر على السياسات الخارجية، ولا يعطون الأولوية ذاتها للملفات الداخلية، لافتاً إلى أنهم يرجحون كفة التحالفات مع الدول الكبرى على مصلحة الشعوب والدولة.

وأضاف أن تنامي التيار اليميني لا يقتصر على فرنسا فحسب، لكنه يتنامى داخل كل أوروبا، الأمر الذي برز في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة وبروز اليمين بشكل واضح، لافتاً إلى أن وصول اليمين المتطرف إلى نسبة تتعدى 40% في الانتخابات الفرنسية دليل استياء كبير بالشارع تجاه الحكومات والسياسات المتبعة، لافتاً إلى أن الشعوب ترغب في إعطاء الأولوية للملفات الداخلية، فضلاً عن أن أحزاب يمين ويسار الوسط استنفدت كثيراً من مشاريعها التي كانت تستطيع من خلالها إدارة الملفات الداخلية بدرجة ما، بما يشير إلى وجود عجز داخل تلك الأحزاب إلى درجة أصبحت غير قادرة على إدارة دفة البلاد بصورة أفضل، مشدداً على أن التوجه نحو اليمين المتطرف لا يعني بالضرورة أنه الأفضل، لكنه دليل على وجود استياء تجاه السياسات العامة لأحزاب يمين ويسار الوسط. التي كانت وما زالت مسيطرة على المشهد السياسي.

واتفق عبدالمسيح مع سابقه حول وجود مخاوف داخل الشارع الأوروبي من الأجانب، ودخول غرباء على المجتمع الأوروبي بنسبة يروا أنها تزيد عن الحد الطبيعي والمنطقي، مشيراً إلى أن هذا الأمر خلف تحديات على الصعد الأمنية والدينية والطائفية، حتى بات هناك هاجس من إمكانية اندلاع حروب ومواجهات داخلية طائفية أو غيرها من الخلافات التي أسهمت في اتجاه الأفراد نحو اليمين أكثر من الوسط.

تخوفات فرنسية

إلى ذلك أشار مدير مركز سيرس للدراسات الاستراتيجية في باريس، دكتور عمر الزبيدي، إلى أن الشخصية الفرنسية ترى نفسها مميزة عن باقي دول العالم، لافتاً إلى أن هذا التمييز لا يعد عنصرية، بل تفضيلاً بناء على سياق تربوي، متفقاً مع سابقيه في أن التخوف من المسلمين، العرب، والأفارقة بالإضافة إلى عناصر من أوروبا الشرقية تجعل الشعب الفرنسي يبحث عن حلول يمينية متشددة.

وأكد أن وقوف القوى الليبرالية الفرنسية بكل ثقلها إلى جانب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ليس للرغبة في انتخابه، ولكن لتخوفهم من القرارات اليمينية وتأثيراتها السلبية، بمنع الحجاب، والانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وغيرها من القرارات الجذرية العميقة التي قد تؤثر سلباً في استقرار فرنسا وأوروبا خلال الأزمة الأوكرانية التي تعتبر تحدياً وجودياً لفرنسا والعالم بحسب «الزبيدي».