السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

تقدير موقف | شرق أوروبا.. الحماية الأمريكية مقابل تحمل النفقات

تقدير موقف | شرق أوروبا.. الحماية الأمريكية مقابل تحمل النفقات

الحرب الأوكرانية تمنح واشنطن إقامة قواعد عسكرية في 5 دول أوروبية دون تكاليف مالية

ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا ورومانيا وبلغاريا أكثر دول أوروبا الشرقية تحمساً للقواعد الأمريكية

750 قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم تنفق عليها واشنطن نحو 100 مليار دولار سنوياً

إذا كانت الحرب العالمية الثانية، هي التي ساهمت في خروج الولايات المتحدة من اليابسة المحاطة بالمحيطين الهادي والأطلنطي إلى العالم، وخاصة نشر قواتها في غرب أوروبا، فإن هناك نقاشات واستراتيجية أمريكية جديدة تقول أن الحرب الروسية – الأوكرانية، هي البوابة الملكية لوجود أمريكي دائم عبر بناء قواعد عسكرية جديدة ثابتة لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، في شرق أوروبا وعلى أرض حلف وارسو الغريم السابق للولايات المتحدة.

قواعد عسكرية أمريكية

وترى هذه الإستراتيجية الجديدة، أن الحرب الروسية – الأوكرانية، وفرت ظروفاً مثالية لصالح الولايات المتحدة، لتغيير الوضع الإستراتيجي والجيوسياسي في شرق أوروبا، تجعل من دول بحر البلطيق (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، وبلغاريا ورومانيا وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، تقبل ليس فقط بنشر القواعد الأمريكية العسكرية على أراضيها، بل تتحمل الدولة المستضيفة للقواعد الأمريكية، نفقات بناء وتشييد، بل وتشغيل هذه القواعد، مقابل الحماية الأمريكية فقط، وفق ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست». وبدأت المشاورات بالفعل حول بناء قواعد عسكرية أمريكية دائمة وثابتة، بين الولايات المتحدة و5 دول في شرق أوروبا؛ وهي ليتوانيا وأستونيا ولاتفيا ورومانيا وبولندا على أن تتحمل هذه الدول تكلفة بناء وتشغيل هذه القواعد وفق الشروط الأمريكية، وذلك تحت غطاء تحصين أوروبا الشرقية، في وجه التهديدات الروسية، وفق ما جاء في شهادة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب.

تغيير جوهري

وسوف يشكل بناء قواعد أمريكية دائمة في شرق أوروبا، تغييراً جوهرياً في الاستراتيجية التي يتبعها حلف شمال الأطلنطي «الناتو» في الوقت الحالي، والتي تقوم على إرسال قوات في فترات التدريب أو المناورات، أو استضافة وتناوب العسكريين الغربيين، لفترة محدودة، في قواعد تابعة لدول شرق أوروبا، وليس قواعد ثابتة للحلف مثل قاعدة أنغيرليك في تركيا أو سودا في اليونان. ووفق وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، فإن القرار النهائي في هذا الملف، سوف يكون في يونيو القادم، في قمة حلف الناتو الدورية السنوية.

فماذا عن أبعاد هذا الإستراتيجية الجديدة التي تستلزم وجود نحو 150 ألف جندي أمريكي كما طالب الرئيس البولندي أندريه دودا؟ وهل سوف تؤثر هذه الرؤية الجديدة على أهداف تحالفات مثل «أوكوس»، و«كواد»، و«كواد بلس» والعيون الخمس في منطقة المحيطين الهندي والهادي؟

تعظيم المكاسب

تسعى الولايات المتحدة إلى تعظيم المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية من الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس فقط ببيع السلاح والغاز والنفط الأمريكي بل أيضاً بإنشاء قواعد عسكرية دائمة بالقرب من الحدود الروسية، وهو تطبيق عملي لنظرية الأناكوندا وحلقة النار التي كانت واشنطن تحلم بالنجاح في تطبيقها منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين للحكم في 31 ديسمبر 1999، وتطويق الأراضي الروسية بأعداء موسكو أو بالقواعد الأمريكية. وترى واشنطن في مسارات الحرب الأوكرانية – الروسية، وما يعتبره البيت الأبيض من فشل كامل للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أنها فرصة ذهبية لتغيير الوضع العسكري بالكامل في شرق أوروبا، وبناء القواعد العسكرية الأمريكية، وتشديد الخناق على روسيا، دون أن يتكلف دافع الضرائب الأمريكية دولارا واحدا، وفق شهادة الجنرال تود والتز قائد القوات الأمريكية وحلف الناتو في أوروبا.

الإستراتيجية الأمريكية في آسيا

لكن المثير للاهتمام هو التصور الأمريكي الذي يقول أن إرسال مزيد من الجنود بشكل ثابت ودائم، وبناء قواعد عسكرية أمريكية في شرق أوروبا، سوف يصب في صالح الإستراتيجية الأمريكية في آسيا، والتفرغ للصين في المحيطين الهندي والهادئ، دون التخوف أو القلق على الجبهة الأوروبية، وفى ظل زيادة القوات الأمريكية الآن إلى نحو 100 ألف جندي، لا تخشى واشنطن من تبعات الوصول إلى 140 أو 150 ألف جندي، في دول الجناح الشرقي، لأن الأمر لن يكلف دافع الضرائب الأمريكي، وفي نفس الوقت سوف يضيف للأمن القومي الأمريكي، ويعزز التحالف الأمريكي مع الحلفاء في المحيطين الهادئ والهندي، وسوف يرسل أيضاً رسالة قوية للصين، وفق رؤية أستاذ الجيوبوليتك في جامعة كولومبيا الأمريكية، تيم رابتسون.

إمبراطورية القواعد العسكرية

تدافع الولايات المتحدة والبنتاجون دائماً عن القواعد العسكرية في الخارج، بأنها لا تحقق الأمن القومي الأمريكي فقط، بل تحقق مكاسب أمنية وسياسية واقتصادية، للدول المستضيفة للقواعد العسكرية.وتستشهد الولايات المتحدة بقواعدها العسكرية في اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، باعتبارها ساهمت ليس فقط في تحقيق الأمن والسلام لهذه الدول، بل ساعدتها على النمو والازدهار والاستقرار. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الولايات المتحدة في نشر القواعد العسكرية الأمريكية في جميع قارات الأرض، ووصلت إلى نحو 800 قاعدة عسكرية، لكنها تراجعت إلى نحو750 قاعدة في 70 دولة، بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان والصومال. وتنفق الولايات المتحدة الأمريكية على تلك القواعد نحو 85 إلى 100 مليار دولار سنوياً، وفق منظمة "World beyond war" التي تنادي بوقف تمدد القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج. لكن اللافت في إحصائيات المنظمة، أن القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج تضاعفت منذ عام 1989، أي في مرحلة نهاية الاتحاد السوفييتي، والتي كان من الطبيعي أن يتراجع عدد وحجم القواعد بتراجع تهديد الاتحاد السوفييتي.

أوروبا جوهرة القواعد الأمريكية

ورغم وجود قواعد عسكرية أمريكية ضخمة في اليابان وكوريا الجنوبية وإقليم الشرق الأوسط، بما يشمل المنطقة العربية وشمال أفريقيا، إلا أن القواعد الأمريكية في أوروبا هي الأهم لواشنطن، ليس فقط لأنها نجحت في الحرب الباردة، في تحقيق الردع ضد روسيا، بل لأن هذه القواعد بها أسلحة نووية وقنابل ذرية، وفق الجمعية البرلمانية لحلف الناتو. وتستضيف ألمانيا نحو 35 ألف جندي أمريكي، كما يوجد في مدينة شتوتجارت الألمانية مقر قيادة العمليات الأمريكية في أوروبا، والتي تشرف على 50 قاعدة عسكرية في أوروبا. كما يوجد المقر الرئيسي للقوات الأمريكية في أوروبا في مدينة فيسبادن القريبة من فرانكفورت، ومن أبرز القواعد الأمريكية في أوروبا قاعدة رامشتاين، بالإضافة إلى قواعد بوبلينغين وسبانغداهليم، كما توجد قواعد أمريكية كبيرة في أسبانيا والبرتغال وبريطانيا وهولندا، أبرزها قاعدة فولكل الجوية في هولندا، ولاجيس في البرتغال، وقاعدتي مورون وروتا في أسبانيا، وكونبيري وكراوتون في المملكة المتحدة، كما تعد قواعد فيتشينزا وكامب ديربي وليغهورن أكبر القواعد الأمريكية في إيطاليا، وذلك وفق تقرير لشبكة «يورو نيوز». المؤكد أن الوضع الأمني والاستراتيجي في أوروبا، سوف يتغير بغض النظر عن نتائج الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن حتى الآن لم تكشف واشنطن عن رؤيتها لرد الفعل الروسي على هذه الإستراتيجية التي باتت معلنة، والتي تهدد بإطلاق مزيد من سباقات التسلح والخطوات المضادة، فالثابت أن القواعد العسكرية تجلب الحروب، كما تجلب الحروب القواعد العسكرية، وهي دائرة مفرغة يجب البحث عن وسيلة مبتكرة للخروج منها.