السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

معلومات سرية | أدوات أمريكا في عمليات رفع العقوبات الإيرانية

معلومات سرية |  أدوات أمريكا في عمليات رفع العقوبات الإيرانية

روبرت مالي وعلي فاز يؤيدان رفع قيود الأنشطة النووية الإيرانية

رئيس إدارة إيران في مجموعة الأزمات الدولية هو من صاغ اتفاق 2015

بايدن وقف إلى جانب مالي ضد نائبه نفوي بعد انسحابه من مفاوضات فيينا

بايدن لن يتنازل عن اتفاق «يخدم إيران» ويشجعها على امتلاك سلاح نووي

لماذا رفض بينتس مقابلة روبرت مالي خلال زيارته إسرائيل نوفمبر الماضي

32 عضواً جمهورياً في رسالة إلى بايدن: «لا اتفاق مع طهران قبل العرض علينا»

جواد ظريف في مذكراته: العملية السرية الإيرانية حققت نتائجها المرجوَّة

تتضارب المعلومات حول اقتراب إيران من توقيع اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة ومعسكر الغرب؛ ففي حين تؤكد دوائر أوروبية بلورة مسوّدة تتألف من 20 صفحة للاتفاق، تنفي طهران الأمر قطعياً، حسب وكالة «إسنا»؛ لكنها تواجه عجزاً في إخماد ثراء معلومات، يشي بإفراج وشيك عن ممتلكات إيرانية بقيمة 7 مليارات دولار في بنوك بكوريا الجنوبية، وإطلاق سراح سجناء غربيين من سجون إيران، وهبوط سقف تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الإيرانية إلى 5%؛ لتبدأ مرحلة أخرى بعد تطبيق تلك البنود، وهي رفع تدريجي لكامل العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على حكومة طهران، حسب «رويترز».

تحطيم جدار العقوبات

وبعيداً عن سجال التأكيد والنفي، استشرفت معلومات سرية مآلات الاتفاق النووي المزمع، وجزمت بأن إدارة جو بايدن لن تتنازل عن صياغة اتفاق يخدم إيران، ويتفادى وضع أي عراقيل أمام سعيها لامتلاك سلاح نووي، فضلاً عن «تحطيم جدار العقوبات المفروض عليها دولياً». وتنطلق تلك التأكيدات من رصد طبيعة العلاقة «غير المعلنة» بين رئيس البيت الأبيض من جهة، والدولة الإيرانية من جهة أخرى؛ وهي العلاقة التي «صاغت اتفاقاً نووياً على هوى إيران في 2015»، حسب اعترافات وزير الخارجية السابق جواد ظريف في كتاب صدر منذ وقت قريب يحوي مذكراته.

منظمة سوروسو

وفقاً لما نقلته الكاتبة الأمريكية - الإسرائيلية كارولين غليك عن الناشط الحقوقي الإيراني حشمت علوي، كشف ظريف في كتابه الجديد معلومة مثيرة أكد فيها أنه خلال 2014، صاغ النظام الإيراني مسوّدة للاتفاق النووي، «وقررنا إرسالها إلى ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وذلك من خلال عنصر على علاقة مباشرة بالوفد الأمريكي، فضلاً عن عضويته في منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» International Crisis Group، أو «ICG»، التي تأسست عام 1995 بقيادة رجل الأعمال الأمريكي - اليهودي جورج سوروس، ونظرائه مارك مالوك براون، ومورتن إسحق أبراموفيتش، وستيفن سولارز؛ وكان الهدف من تلك الخطوة هو تمهيد الطريق أمام التجاوب مع المسوّدة التي طرحناها، والحيلولة دون الاعتراض عليها». ويؤكد ظريف في مذكراته أن العملية السرية الإيرانية حققت نتائجها المرجوَّة؛ فبعد قبول مسوّدة طهران، نشرت «مجموعة الأزمات الدولية» ورقة بحثية تحت عنوان «إيران ودول 5+1 لحل لغز مكعب روبيك النووي» (مكعب روبيك هو لغز ميكانيكي ثلاثي الأبعاد). وكشف الوزير الإيراني السابق أن ورقة الـ«ـICG» البحثية اعتمدت بالأساس على مسودة الاتفاق الإيرانية، وتقاطعت تماماً مع آمال الإيرانيين؛ كما تبناها الأمريكيون، وأصبحت قاعدة للاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه في يونيو 2015. أما الاتفاق ذاته، فصاغه علي فاز، الذي كان ولا يزال حتى اليوم رئيساً لإدارة إيران في الـ«ـICG». وحتى 2019 ظل فاز مرؤوساً لروبرت مالي، رئيس شعبة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة ذاتها. وفي 2014 أصبح مالي عضواً في طاقم أوباما للمفاوضات النووية مع الإيرانيين؛ لكنه عاد إلى المنظمة وهو يتولى منصب الرئيس، وظل بها إلى جانب فاز حتى عينه الرئيس جو بايدن العام الماضي 2021 موفداً للتفاوض مع إيران.

القيود النووية

وحسب ما نشرته الكاتبة الأمريكية – الإسرائيلية في صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية، تنفي منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» ما حوته مذكرات ظريف في هذا الخصوص، لكن الحقيقة وفقاً لتقديرات كارولين غليك تؤكد أن روبرت مالي وكذلك فاز يؤيدان منذ ما يربو على العقد رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وواشنطن على حكومة طهران؛ فضلاً عن دعمهما رفع قيود الأنشطة النووية الإيرانية.

وفي أكتوبر الماضي قال مالي إن الإدارة الأمريكية «تستعد لعالم لا تُفرض فيه قيود على برنامج إيران النووي»، وأضاف: «إننا على استعداد لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران». ويقيم فاز ومالي علاقات متشعبة ووطيدة منذ فترة طويلة مع حماس و«حزب الله»؛ وفي حينه، وصف الموفد الأمريكي روبرت مالي التنظيمات الإرهابية بـ«حركات اجتماعية – سياسية حقيقية راسخة الجذور»؛ ووفقاً لوسائل إعلام إيرانية، يعد فاز هو الوسيط (بجانب سفير روسيا لدى فيينا ميخائيل أوليانوف) بين الوفد الإيراني ونظيره الأمريكي في محادثات فيينا.

وحين عيَّن الرئيس جو بايدن روبرت مالي لإدارة ملف عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، كان هناك من أرجع الخطوة إلى رغبة بايدن في التصالح مع معسكر اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي، لكن هذا التبرير يجافي السجل التاريخي للرئيس الأمريكي نفسه، ولا سيما عند رصد طبيعة العلاقة بين بايدن وإيران، حسب تقرير «يسرائيل هايوم».

مؤشرات الولاء

منذ 1979، مروراً بعضويته في مجلس الشيوخ، ومنصب نائب الرئيس، وحتى توليه الرئاسة، كان بايدن ولا يزال أحد أبرز الداعمين لنظام الملالي في واشنطن؛ فخلال أزمة الرهائن الأمريكيين في سفارة طهران عام 1979، اعترض بقوة على المبادرة بأي «عملية عنيفة» لإطلاق سراح الرهائن؛ واقتصر رد فعله على أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عام 2001، دعوة إدارة بوش في حينه منح النظام الإيراني 200 مليون دولار كبادرة حسن نية. إلى ذلك، يعد جو بايدن هو المهندس الحقيقي لانسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011، وهي الخطوة التي سعى بها إلى تسليم السيطرة على العراق لإيران. وحين تولى منصب نائب الرئيس، كان من أبرز الداعمين المتحمسين للاتفاق النووي، الذي مهد طريق إيران لامتلاك سلاح نووي عبر إلغاء العقوبات المفروضة عليها، بالإضافة إلى تطورات أخرى في برنامجها النووي والصاروخي. على خلفية تلك المعلومات، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت لقاء روبرت مالي خلال زيارته لإسرائيل نوفمبر الماضي، وهو ما أثار غضب بايدن؛ ويبدو أنه استغل الواقعة في قطع الاتصالات مع بينت لأشهر طويلة. وقبل أسبوعين، قدم ثلاثة من أعضاء الطاقم الأمريكي في مفاوضات فيينا استقالاتهم. الثلاثة وفي طليعتهم ريتشارد نفوي نائب روبرت مالي، عارضوا خط مالي التصالحي حيال الإيرانيين؛ وأعربوا عن اعتقادهم بأنه في ضوء تقدم إيران النووي لم ينطوِ اتفاق 2015 على أي فائدة أو جدوى؛ ووصل صدى الخلاف بين روبرت مالي ونائبه ريتشارد نفوي إلى الرئيس بايدن، الذي أيد موقف الأول، حسب «وول ستريت جورنال».

130 مليون دولار

من خلال كل هذه المؤشرات، وصلت الكاتب الأمريكية - الإسرائيلية كارولين غليك إلى استنتاج «ليس لطيفاً» على حد تعبيرها، وهو أن أي اتفاق يُبرم مع طهران لن يمنع امتلاكها سلاحاً نووياً، ولن يسمح بفرض أي عقوبات جديدة عليها. على العكس من ذلك، لن تتردد إدارة جو بايدن في الدفاع عن إيران أمام معارضيها، تماماً مثلما فعل بايدن حين رفع جماعة الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية؛ فضلاً عن قراره قبل أيام بحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية التي تتقاضاها مصر.

وأمام ما وصفته بـ«خيانة واشنطن»، قالت الصحيفة العبرية: إن السعوديين وكذلك الإماراتيون ردوا بعدة خطوات على إدارة بايدن؛ فمن جهة حاول الجانبان تحسين العلاقات مع طهران، واقتربا إلى جانب مصر مع الصين وروسيا. ومن جهة أخرى، عكفا أيضاً على جس النبض الإسرائيلي؛ فكانت زيارات وزير الدفاع بني غانتس والرئيس إسحاق هيرتسوغ لدول الخليج خلال الأسابيع الأخيرة الماضية إشارة للدول العربية، التي تعلق على إسرائيل أمل قيادة صراع قوي ضد إيران. أما بالنسبة للجمهوريين، فما برحوا صموداً في معارضتهم الحازمة ضد تجديد الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. وخلال الأيام القليلة الماضية، بعث 32 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ برسالة إلى بايدن، حذروا فيها من أنهم سيحبطون «أي اتفاق مع طهران يتفادى العرض عليهم قبل تمريره». كان من المفترض على السياسة الإسرائيلية التركيز مع الواقع، وبدلاً من التعلُّق بخيوط مهلهلة في البيت الأبيض لحلحلة الأزمة الإيرانية، التركيز مع الحلفاء العرب والجمهوريين، الذين تتوحَّد رؤاهم مع إسرائيل في حتمية مواجهة التهديد الإيراني. وطالما أن سياسة إسرائيل تنكر السياسات السلبية لإدارة بايدن الديمقراطية، فلا ينبغي عليها القبول بتقويض قدرتها على التصرف بمفردها، أو بمساعدة حلفائها لإحباط مساعي طهران نحو تعظيم ترساناتها النووية، حسب «يسرائيل هايوم».

الخليج والجمهوريون

وفي حين ترى دوائر سياسية في تل أبيب أنه لا يوجد أمام إسرائيل سوى الحفاظ والتسويق لصورة تناغم المواقف مع الإدارة الأمريكية، يلوح في الأفق وجه آخر لهذا الادعاء، وهو أن المبالغة في الثناء، ومحاولات الاستجداء المستمرة مع إدارة معادية (إدارة بايدن) تلحق ضرراً بالغاً وتؤثر على صورة إسرائيل أمام حلفائها الحقيقيين في مجابهة البرنامج النووي الإيراني، ولا سيما دول الخليج ومعسكر الجمهوريين في الكونغرس، إذ «يُعِدُّ هؤلاء الحلفاء تصرفات حكومة إسرائيل، وبراءتها في التعاطي مع إدارة بايدن دليل على التراخي والافتقار إلى الجدية في التعامل مع موضوع مصيري».

ويتعارض كل ذلك مع الترويج لمتانة العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإدارة جو بايدن الديمقراطية؛ فيبدو، حسب الكاتبة الأمريكية – الإسرائيلية، أن بينت ووزراءه لا يستوعبون الحقيقة المُرَّة بعد؛ فخلال نهاية أول اتصال هاتفي له مع بايدن، بعد قطيعة العلاقات بين الجانبين، أبلغ بينت الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي بأن «إسرائيل تحتفظ لنفسها بكافة خيارات العمل ضد المنشآت النووية الإيرانية»؛ ولم تكن تلك العبارة موجهَّة للرأي العام الإسرائيلي، وإنما استهدفت الإدارة الأمريكية فقط. وضاهت عبارة نفتالي بينت خطوة إيفاده قبل أيام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال خولتا لواشنطن؛ وتعكس الخطوتان سياسة إسرائيل الرامية إلى حتمية تعديل مواقف بايدن إزاء الملف النووي الإيراني. ولم يكن بينت وحيداً في هذا المسعى، بل شاطره فيه وزيرا الدفاع والخارجية بني غانتس ويائير لابيد، اللذان أبديا غير مرة اندهاشاً مشوباً بالحذر إزاء غياب شريك يمكن التعامل والتنسيق معه في الإدارة الأمريكية بخصوص كل ما يتعلق بمكافحة الأنشطة الإيرانية.