السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«الحلقة المغلقة».. طريق الصين لتحقيق مستهدفات النمو وسط إغلاقات كورونا

«الحلقة المغلقة».. طريق الصين لتحقيق مستهدفات النمو وسط إغلاقات كورونا

الاقتصاد العالمي تأثر بدءاً من السلع الأساسية لإنتاج السيارات الكهربائية عقب إغلاق شنغهاي.

فضلت السلطات الصينية فرض حجر صحي على سكان مدينة شنغهاي البالغ عددهم 25 مليون نسمة، رغم ارتدادات هذا الفرض على الاقتصاد بصورة تؤثر على الهدف الحكومي في تحقيق معدلات نمو تصل إلى 5.5 % خلال العام الجاري «أدنى حد لها منذ 30 عاماً» وسط توقعات من البنك الدولي بانخفاض مستوى النمو دون المستهدف عقب الإغلاقات الأخيرة التي طالت عدة مدن صينية ليصل إلى 5 % بحلول نهاية العام الجاري.

تداعيات الإغلاق لمدينة شنغهاي التي تمتلك الميناء الأكبر في العالم والذي يوفر وحده 17% من الحمولة البحرية الصينية، لا تقتصر على الاقتصاد الصيني فحسب، إنما يمكن أن تؤدي إلى إبطاء التجارة داخل أكبر ميناء لنقل البضائع في العالم.

الاقتصاد الداخلي

اللافت في الأمر أن الصين عادة ما كانت تلجأ إلى عمليات الإغلاق المحلية الأصغر لمعالجة آثار انتشار الوباء، لاسيما داخل شنغهاي التي تمثل وحدها أكثر من 3 % من الناتج المحلي الإجمالي للصين، إلى جانب أكثر من 10 % من إجمالي تجارة الصين منذ عام 2018، لذا فإن صدمة الإغلاق الكامل أصابت الاقتصاد الصيني قبل غيره. وتظهر الدراسات من جامعة هونغ كونغ أن الإغلاق لمدة أسبوعين في المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين يكلف الصين 2 % من ناتجها الإجمالي الشهري، في وقت يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الشهري للصين في عام 2021 في المتوسط 9.5 تريليون يوان «1.4 تريليون دولار» بما يعني أن كل أسبوع إغلاق يكلف الصين 190 مليار يوان «29.8 مليار دولار» لكن كل تلك الخسائر لم تمنع التنين الصيني من الإصرار على نهجه وصولاً لـ «صفر كوفيد».

النهج الصيني لم يوقف الحكومة عن القيام بنهج موازي لمنع تأخر الإنتاج ولجأت إلى أنظمة «الحلقة المغلقة» التي تسمح لبعض المصانع بالبقاء مفتوحة طالما أن العمال ملتزمون بعدم الخروج خارج حرم المصنع، جنباً إلى جنب مع الالتزام ببروتوكولات اختبار فيروس كورونا، وعلى هذا النحو استطاعت عدد من كبرى المصانع الاستمرار في التشغيل، بالمقابل اضطرت بعض المصانع العملاقة مثل تسلا من إيقاف خطوط التجميع لبعض الوقت بناء على طلب السلطات ما كبدها خسائر مؤقتة في إنتاج المصنع اليومي بلغ نحو 2000 سيارة، غير أن تأثيرات تلك الإغلاقات وفق «بنك أوف أمريكا» على التصنيع قد تكون قابلة للإدارة إذا تم الإبقاء على عمليات إغلاق قصيرة، مقارنة بالضرر الذي يلحق بقطاع الخدمات في الصين وسياسة المستهلك التي قد تحتاج إلى نظرة أعمق.

اقرأ أيضاً.. مقتل شيرين أبو عاقلة مراسلة «الجزيرة» بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة

الحزب الشيوعي الصيني دخل على خط الأزمة، وعقد المكتب السياسي للحزب اجتماعاً لبحث حلول الوضع الاقتصادي ودراسته، داعياً الصين إلى زيادة السياسات التنظيمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسعي لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على معدلات نمو جيدة.

وبالنظر إلى أن قطاع العقارات والطلب على المواد الخام يمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، ما يعني أن معدلات النمو الاقتصادي في القطاعات الأخرى يجب أن تتراوح ما بين 8:7 % لتحقيق معدلات النمو المعلنة من قبل الحكومة، وهو أمر غير محتمل في ظل معدلات النمو المحققة قبل انتشار الوباء بحسب تصريحات مدير أبحاث الأسواق الصينية في مجموعة Rhodium Group، لوغان رايت، إلى بلومبرج.

ارتدادات على الاقتصاد العالمي

بدأ الاقتصاد العالمي يشهد آثاراً غير مباشرة في كل شيء بدءاً من السلع الأساسية حتى إنتاج السيارات الكهربائية عقب إغلاق مدينة شنغهاي التي تقع على الساحل الشرقي للصين وسط قلق من موجات الصدمة التي يسببها الإغلاق في جميع أنحاء العالم؛ الأمر الذي يفرض تساؤلا حول أهمية مراقبة العالم لـ «شنغهاي» عن كثب.

تعد شنغهاي ذات أكبر ناتج محلي إجمالي بالنسبة لجميع المدن الصينية بحوالي 4.32 تريليون يوان - 679 مليار دولار - إلى جانب كونها ثالث أكبر سوق للأوراق المالية على مستوى العالم من حيث قيمة الشركات التي تتاجر خلالها، فضلاً عن أن شنغهاي تعد الوجهة الأكثر جاذبية للأعمال التجارية الدولية التي تتطلع إلى التواجد في الصين، وأخيراً فإن المدينة تأتي في المرتبة الخامسة لعدد قاطنيها من المليارديرات على مستوى العالم.

ووفقاً لسلطات مدنية، فإنه بحلول نهاية العام الماضي أنشأت أكثر من 800 شركة متعددة الجنسيات مقار إقليمية في شنغهاي، فضلاً عن تواجد مقار إقليمية لما يقرب من 70 ألف شركة أجنبية، ما استدعى من بورصة شنغهاي - التي تأسست عام 1990 برأسمال سوقي إجمالي قدره 3.7 تريليون دولار - العمل على استمرار التداول وفق أنظمة « الحلقة المغلقة» المتبعة داخل المصانع، والذي يتطلب خلالها من موظفين بعض الشركات والبنوك النوم إلى جانب مكاتبهم للحفاظ على عمل السوق.

أسواق النفط بدورها لم تسلم من إغلاق ميناء المدينة، وتراجعت بنسبة وصلت إلى 8 %، ما أثار مخاوف بشأن تراجع الطلب على النفط من الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، بالتزامن مع مخاوف من فقد سوق مهم مثل روسيا نتيجة تبعات الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية على روسيا.

شنغهاي في الاقتصاد الصيني

تمثل شنغهاي 3.8 % من الناتج المحلي الإجمالي للصين، إلى جانب أنها تمتلك ما يقرب من 10.4 % من تجارة الصين مع بقية العالم وفقاً للإحصاءات الرسمية للعام الماضي، ويعد ميناء المدينة الأكثر ازدحاماً في العالم لحركة مرور الحاويات، بالنظر إلى أنه تم نقل 47 مليون وحدة من البضائع خلال عام 2021 بما يعادل 4 أضعاف الحجم الذي تم مناولته في ميناء لوس انجلوس، ورغم أن الميناء لازال يعمل رغم الإغلاق، إلا أن بيانات الصناعة الصادرة في أواخر مارس أظهرت أن عدد السفن التي تنتظر التحميل أو التفريغ قد ارتفع إلى مستوى قياسي، في وقت أفادت وسائل الإعلام الحكومية أيضًا أن العديد من سائقي الشاحنات يعانون من أجل إدخال حاويات إلى الميناء والخروج منه في الوقت المحدد بسبب قيود السفر.

اقرأ أيضاً.. مجلس الأمن الدولي يبحث فرض طالبان على النساء تغطية الوجه

شنغهاي تعد أيضاً مركزا رئيسيا للطيران في أسيا، لاسيما وأن مطاري المدينة بودونغ، هونغكياو تعاملا مع 122 مليون مسافر خلال عام 2019 ما يجعل المدينة رابع أكثر المدن ازدحاماً في العالم بعد لندن ونيويورك وطوكيو، لكن تفشي فيروس كورونا أدي إلى تعليق العديد من الرحلات الركاب، وارتفاع أسعار الشحن الجوي وفرض مزيداً من الضغط على سلاسل التوريد العالمية.

منطقة شنغهاي الكبرى، التي تضم كونشان والعديد من المدن الشرقية الأخرى، تعد مركزًا صناعيًا رئيسيًا للصناعات من السيارات إلى أشباه الموصلات، ورغم أن الصين بدأت تخفيف بعض القيود عن طريق تقسيم المدينة إلى 3 مناطق ( منطقة الإغلاق- المنطقة الخاضعة للرقابة - المنطقة الاحترازية) إلا أنه لازالت سلاسل التوريد الرئيسية للسيارات والإلكترونيات لم تعمل بكامل طاقتها، سابقاً على سبيل المثال سلمت شركة تصنيع السيارات الكهربائية الأمريكية تسلا أكثر من 65000 سيارة من مصنعها في شنغهاي ما يجعلها العلامة التجارية الأكثر مبيعاً للسيارات الكهربائية في الصين،إلا أنها اضطرت بعد ذلك إلى توقف خطوط الإنتاج في مرحلة ما من الإغلاق، ما أثر على كمية الإنتاج.