الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

«حماية الرموز».. هل يؤثر على التشاور الوطني في موريتانيا ؟

«حماية الرموز».. هل يؤثر على التشاور الوطني في موريتانيا ؟

شارع جمال عبدالناصر في العاصمة الموريتانية نواكشوط. (غيتي).

تُعقَد آمال كبيرة على التشاور الوطني المرتقب في موريتانيا، الذي يعتبر أهم حدث سياسي ستشهده البلاد في 2021، والذي سيتطرق، بدون استثناء، إلى كل القضايا الوطنية الكبرى، بهدف وضع أسس رصينة تحكم موريتانيا، لكن مجموعة من العوامل تهدد بعرقلة التشاور الوطني، من بينها مشروع قانون حماية الرموز، الذي يثير جدلاً كبيراً.

التشاور الوطني

وتَنتظر موريتانيا تنظيم التشاور الوطني، الذي يعتبر أهم حدث سياسي ستشهده البلاد في 2021، ولم يحدد بعد رسمياً موعده، إلا أنه سيكون قبل نهاية العام، بحسب ما أفاد به المحلل السياسي الموريتاني، إسماعيل الشيخ سيدي يا، في تصريحات خاصة.

ومن المقرر أن يشمل التشاور الوطني الفاعلين السياسيين، وسيتطرق، بدون استثناء، إلى مختلف القضايا الوطنية الكبرى، بهدف وضع أسس رصينة تحكم موريتانيا، قوامها (الأسس) الإنصاف، والعدالة، وحق الجميع في مواطنة كاملة بدون تمييز، بحسب ما أوضحه رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الحاكم في موريتانيا، محمد ولد الطالب أعمر، يوم 27 أكتوبر المنصرم، في افتتاح مقر الأكاديمية الدبلوماسية في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

وانطلقت الأربعاء (27 أكتوبر) جلسات التحضير للتشاور الوطني، بحضور الأحزاب السياسية الموريتانية المرخص لها، و4 من مرشحي الانتخابات الرئاسية الموريتانية الأخيرة، أبرزهم بيرام الداه اعبيدي.

قانون حماية الرموز

وكانت الحكومة الموريتانية قد أقرت مشروع قانون حماية الرموز،

في 14 يوليو المنصرم، وأحالته إلى البرلمان، الذي عقد الاثنين جلسة خاصة لمناقشة القانون، لكن احتجاجات المعارضة، دفعت البرلمان لتأجيل النقاش إلى الثلاثاء، وسط نقاش وجدال كبيرين حوله.

ويُعتبر النائب البرلماني الموريتاني، والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية الموريتانية، بيرام الداه اعبيدي، من أبرز المنتقدين لمشروع قانون حماية الرموز، إذ قال، بحسب ما نشره موقع «الأخبار» الموريتاني، الأحد، إن «صدوره سيلطخ جو الحوار الخاص بالتشاور الوطني المرتقب في البلاد»، داعياً الحكومة والبرلمان إلى منح مهلة للتشاور حول مشروع القانون المذكور.

ويجرم قانون حماية الرموز «الإساءة إلى الرموز الوطنية، والمساس بهيبة الدولة وشرف المواطن»، ويعاقب على الإساءة بالسجن ما بين سنتين و4 سنوات، وبغرامة مالية تراوح بين 200 ألف أوقية جديدة (5509,64 دولار أمريكي) و500 ألف أوقية (13774,10 دولار أمريكي).

مقاضاة المعارضة

وتباينت الآراء حول مشروع قانون حماية الرموز؛ بين من يعتبر أنه «يستهدف حرية الرأي والتعبير» في البلاد، وأنه «أداة سيستعملها النظام الموريتاني، لمقاضاة منتقديه من النشطاء»، وبين من يؤيده، ويرى أنه «سيحمي الرموز الوطنية الموريتانية، وسيضع إطاراً لحرية التعبير في موريتانيا».

وقال المحلل السياسي الموريتاني، إسماعيل الشيخ سيدي يا، إن «القانون المثير للجدل يحول الرئيس إلى رمز، ويزيد من المنظومة الردعية الموجودة مسبقاً في الجمهورية»، مردفاً أن القانون «يعتبر موجهاً إلى المعارضين، ومتماشياً مع روح تعسفية برزت لدى الادعاء العام، ومن ورائه الحكومة الحالية، ضد كل من يوجه سهام نقد لاذعة إلى شخص الرئيس».

وفي المقابل، أبرز الشيخ سيدي يا، في تصريحات خاصة، أن القانون «لن يؤثر على مضامين التشاور، والذي يعرض على الطاولة نقاطاً ملحة أكبر من القانون، ولأن الترسانة القانونية للبلد خاضعة في الغالب لميزان القوى، وقابلة للتغيير في أية لحظة».

عراقيل أمام التشاور

وحول العراقيل أمام التشاور الوطني الموريتاني، أوضح الشيخ سيدي يا أن «أهم ما يمكن أن يؤثر على التشاور هو تصرفات رافضيه داخل الأغلبية الحكومية من الحركات السياسية، التي لا ترى مصلحة في إجماع وطني حالي».

كما قال الشيخ سيدي يا إن «عشاق الجمود في المعارضة، الذين يخشون الوئام بين الأطراف، قد يؤثرون سلباً على الحوار».

وأردف قائلاً: «التشاور الوطني لم يحدد تاريخه بعد، ولكنه سيكون قبل نهاية العام، وسيشمل كل المواضيع الشائكة؛ مثل النظام الانتخابي، والوحدة الوطنية، إضافة إلى توزيع الثروة، والعلاقة بين المعارضة والموالاة».

دور وسائل التواصل

ومن جانبه، قال رئيس المركز العربي الإفريقي للإعلام، الموريتاني محمد سالم ولد الداه، «القانون يأتي في إطار ما يلاحظ من تنامٍ لظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي، التي مكَّنت البعض من نشر تسجيلات، تتناول بعض القضايا التي يجرمها القانون، ومن ضمنها المساس بالمقدسات الإسلامية، والوحدة الترابية، بالإضافة إلى المساس بشخص الرئيس، والعلم، والنشيد»، مردفا أن «الجدال لا يزال قائماً في موريتانيا حول مسألة اعتبار رئيس الجمهورية من الرموز الوطنية من عدمه».

وأضاف في تصريحات خاصة «هناك من المعارضين الذين يعتبرون أن القانون سيحد من الحريات ومن التعبير، وهناك من يعتبره قانوناً ضرورياً، لحماية خصوصيات الناس، والمقدسات، ومنع إثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد»، مبرزاً أن «هذا السجال يعيشه اليوم البرلمان الموريتاني».

وتابع ولد الداه، الذي شغل منصب نقيب الصحفيين الموريتانيين في وقت سابق، «في الغالب، ربما سيساهم القانون في ترشيد ما تَقذِف به تلك الوسائل من تسجيلات يغلب عليها الخدش، والاستهداف الخاص والشخصي، واستخدام ألفاظ غير مناسبة، لدرجة أنها تطال في مناسبات عديدة رئيس الجمهورية، وغيره من الشخصيات العمومية».

وفي ما يخص المعارضة، بيَّن ولد الداه «يبدو أن جزءاً من المعارضة مهتم بمتابعة هذا القانون، ويعتبره حالة من حالات ممارسة تكميم الأفواه، بينما يلاحَظ أن جزءاً آخر من المعارضة لا يعير اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع، بقدر ما يرى أنه أصبح من الضروري صيانة أعراض الناس والثوابت، وحمايتها من سطوة وسائط التواصل الجديدة، التي يستخدمها المدونون، والسياسيون، وحتى غير السياسيين، من خلال استخدامات تكون، في الغالب، سلبية، ولا توصل الرسالة السياسية، بقدر ما يغلب عليها طابع المساس بأعراض الناس، وانتهاك خصوصياتهم، وعدم الاهتمام بحماية الرموز الوطنية، وتناولها بطريقة غير مناسبة».

وفي ما يخص التأثير السلبي المحتمل لهذا القانون، في حالة صدوره، على التشاور الوطني، قال ولد الداه «القانون تتم مناقشته منذ فترة، ويحظى باهتمام على مستويات عديدة؛ سياسية، وعلى مستوى المدونين، وغيرهم، إلى جانب أنه لم يلاحَظ أي رأي في هذا الإطار من طرف القوى السياسية والمدنية الأخرى، التي قررت المشاركة في التشاور الوطني، سوى ما قاله النائب البرلماني الموريتاني، والمرشح السابق للرئاسة الموريتانية، بيرام الداه اعبيدي».