الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العلامات التجارية .. هل هي طوق النجاة الأخير للصحافة الورقية؟

لا يمكن أن يركن القائمون على المؤسسات الإعلامية في العالم وتحديداً هنا في الخليج، وتحديداً الصحافة الورقية، إلى التحديات التي تواجهها الصناعة بشيء من التراخي ثم يتوقعون نجاتهم وعبورهم لشاطئ الأمان. القضية لم تعد سباقاً على جودة المحتوى ولا إبداعات المخرجين، وتملك الأدوات البشرية والفنية الكفيلة بإخراج منتج ورقي يلبي طلبات المستهلكين (القراء)، التحديات تخطت ذلك وأصبحت في قلب الصناعة نفسها وفي كل أركانها، إنها تتعلق بنهاية أو الاقتراب من نهاية السلعة نفسها (الورق) واستبدالها بمنتج يوفر التغذية نفسها التي كان يوفرها الورق، وبآليات أكثر يسراً وأقل سعراً .. أن تبيع محتوى في ورق فهو مرحلة اقتربت من نهايتها، ولنا في أعرق الصحف العالمية خير دليل. فصحف كانت تبيع نسخاً تتخطى حاجز المليون باتت تعاني، بعضها حوّل استثماراته للعالم الافتراضي (ويب سايت)، وبعضها مازال يقاوم ربما يعتقد بوجود شمعة في آخر النفق تعيد للورق وهجه وسطوته. لكن هل الحل هو إغلاق الصحف (المؤسسات)؟ أم استجداء الحكومات لدعمها؟ أم الاستناد إلى إعلانات مؤسسات القطاع الخاص لضمان الحد الأدنى من الإيرادات؟ أم البحث عن حل خارج هذه الخيارات؟ ربما الحل الأسهل هو الإغلاق، لكنه دواء بمرارة السم، فالصحف تظل منبراً ثقافياً في كثير من مهامها ومسؤولياتها، ومثل هذا الحل يعني إغلاق نافذة ثقافية. ويبقى انتظار الدعم الحكومي، فهل سيحدث؟ لدينا في الخليج مثلاً، قد يأتي هذا الحل وتتدخل الحكومات في مرحلة، لكنه لن يستمر طويلاً، ولذلك أسباب عدة، أولها تغيّر أولويات الدعم في دول الخليج، فليس من المنطق الاقتصادي أن ترفع الحكومات أسعار الطاقة لعامة الشعب، وتدفع دعماً لمؤسسات صحافية من المؤكد أنها ستكون خارج قطار المستقبل، ثم إن صناعة الرأي العام الذي كانت تؤديه الصحف الورقية، وتستند إليها الحكومات في تكوينه لدعم قراراتها السياسية أو التنموية، باتت هناك قنوات أخرى تؤديه وهي أكثر فاعلية وأكثر تأثيراً وربما أقل تكلفة مالية على الحكومات، وهذا يستبعد الدعم المتوقع أو المرجو من الحكومات للصحف الورقية. الخيار الثاني وهو الاستناد إلى إعلانات القطاع الخاص، أظن الأمر في هذا الخيار أكثر حسماً من سابقه، فأرقام الإعلانات التي ترصدها الشركات المتخصصة، تشير إلى تقلص حصة الصحافة الورقية من الإعلانات على حساب قنوات أخرى، من بينها الحسابات الشخصية (حسابات الأفراد) على مواقع التواصل الاجتماعي، أي إن المنافسة لم تعد تقتصر على وسائل إعلام أو مؤسسات، بل دخل في المنافسة الأفراد، ولنا أن نتخيل حين ينافس ألوف أو ملايين مئات الصحف الورقية، الكثرة هنا لا شك ستحسم الموقف، لعدة معطيات نعرفها جميعاً، بينها سرعة الانتشار والوصول لهذه الحسابات. فمؤسسات وشركات القطاع الخاص والمستثمرون في الأغلب سيبحثون عمن يصل للمستهلكين والمستهدفين بشكل عام بصورة أسرع ونطاق أوسع، زد على ذلك أن إعلانات القطاع الخاص تتأثر مباشرة بالأوضاع الاقتصادية السائدة في المنطقة، وهي في فترة تقلص حالياً، وبالتالي ما هي إلا فترة محدودة حتى نجد القطاع الخاص لا يضع الصحف الورقية في توزيعات ميزانية الإعلانات .. نعم هو قريب جداً ذلك اليوم. قلنا الإغلاق ليس حلاً مثالياً للصحف الورقية، والحكومات لن تدعم الصحف أكثر مما مضى، وإعلانات القطاع الخاص ليس فيها طوق النجاة. إذن ما الحل؟ أعتقد أنه إن كان هناك ثمة شمعة في آخر النفق بالنسبة للصحافة الورقية، فهو العلامات التجارية التي تكونت لديها (كل صحيفة على حدة)، على ملاك الصحف ومجالس الإدارة في المؤسسات التي تملكها أن تنظر للصحيفة كمنتج يملك علامة تجارية وليس ورقاً تنشر عليه الأخبار والأحداث. على الصحف العريقة أن تستند إلى علاماتها التجارية وتبيع المحتوى وفقاً لهذه العلامات وليس الورق، نعم، تتغير الأداة ويبقى المنتج هو المحتوى وليس الورق. ماذا لو استندت بعض الصحف أو صحيفة على علامتها والموثوقية التي صنعتها على مدى 70 عاماً مثلاً أو أكثر، وعززت وجودها في فضاء الإنترنت وحسابات التواصل الاجتماعي، كقارئ - والأغلبية يتفقون في ذلك ـ ستكون ثقتي في مصداقية ما تبثه وتنقله أكثر مما لو وجدت الخبر نفسه في صحيفة حديثة ولدت على (الويب سايت) أو حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي. خلاصة القول: العلامة التجارية التي تملكها بعض الصحف في المنطقة (وهي السمعة والانتشار) كفيلة بأن تحقق لها النجاح، بشرط أن تتخلص من سيطرة الورق على ملاكها. فليتذكر القائمون على الصحف الورقية دائماً: إنهم يبيعون محتوى وليس ورقاً. ربما ينتهي الورق، لكن المحتوى باقٍ، وهو ما يبحث عنه القراء.