الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

البيض كله في سلة واحدة!

حكى لي مرة صديق أنه وفي منتصف فترة التسعينات ذهب في رحلة سياحية إلى ماليزيا، وكان يخدمه سائق ماليزي لديه ولدان، كان يكد ويتعب طيلة نهاره ليطعم ولديه ويعلمهما. كان السائق يستثمر جميع ما يملكه من أجل أن يذهب ابناه إلى مدارس خاصة متقدمة، ولأنه فقير يبيع كل ما يملك كي يدفع أقساط دراستهما الجامعية. أشار السائق إلى بيت قديم قائلاً «بإمكاني الآن أن أشتري هذا البيت الذي أستأجره الآن، ولكني أفضل أن أستثمر مالي لأبنائي». كان السائق بملابس رثة ويأكل بتواضع، كل هذا من أجل ابنيه. بعد مرور أكثر من عشرين عاماً زار صديقنا ماليزيا مرة أخرى، وتذكر ذلك السائق وحاول الوصول إلى بيته الواقع في منطقة معروفة لا تنسى، فوجد البيت متهالكاً ولا يسكنه أحد. سأل عن اسم ذلك السائق هنا وهناك حتى وجد الإجابة بأن هذا العجوز اضطر إلى الخروج من البيت قبل زمن، لأنه أصبح كبيراً في السن ومريضاً ولا يستطيع حتى أن يدفع الإيجار، ربما كان في دار عجزة أو يتسول في الشوارع، ثم سأل صديقنا عن الولدين فردوا بأنهما أصبحا من رجال الأعمال المشهورين والأغنياء، ولكنهمت نسيا أباهما. مسكين ذلك السائق كان حظه في الحياة ابنين غير بارين وناكرين لمعروفه، لقد شقي وتعب ليبني مستقبلاً لهما، ونسي أن يبني منزلاً لنفسه ليؤويه من ويلات المستقبل وقساوة الحياة. إن أردنا أن نتعلم من هذه القصة الإنسانية شيئاً فهو أنه جميل أن نستثمر في أبنائنا، جميل أن نعمل ونكد من أجلهم، لكن لا نضع رجلاً على رجل في نهاية المشوار وننتظر منهم رد الجميل. يجب أن نعمل على تأمين مستقبلنا أيضاً، يجب ألا نطبق المثل الذي يقول «لا تضع جميع البيض في سلة واحدة» فقط في تجارتنا، بل حتى في علاقاتنا الإنسانية، إن التضحيات لها حدود والتوازن مطلوب. الحكيم من يخطط في رحلة حياته نحو تحقيق أهدافه، يقسم حياته إلى محطات يقف على كل منها يعطي كل ذي حق حقه ولا ينسى نفسه. إننا نعيش زمناً تتغير فيه القلوب وتتلون الدنيا بلون مختلف عما كان، والذكي الذي يتجنب الخسارة ويستثمر في نفسه لكي يجني ثمار أرباحه في يوم مظلم. [email protected] أكاديمية ومهندسة معمارية