الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لا يستقدمون

أشد القصص تأثيراً في الحياة هي الواقعية منها، وهنا سأعرض لكم سلسلة من القصص الإنسانية التي عاصرتها شخصياً وبعضها أنقلها عن أصحابها أو من شهد الحدث. وسأبدأ اليوم بقصة جديدة. وبداية أقول إن قصص الموت محزنة وربما مثيرة عندما نشاهد مقاطع فيديو عن أناس ينجون من موت محقق ومنهم من يأتيه الموت ويختاره دون غيره. لتوقيت الموت وجه آخر، ونحن نؤمن أنه إذا جاء الأجل لا نستقدم ساعة ولا نستأخر وملك الموت لا يستأذن على أحد. سآخذكم هذه المرة إلى مدينة الطائف وهي مدينة جبلية غرب السعودية، كان العمال يعملون ليل نهار في فترة السبعينيات، لبناء البيوت وإعمار المدن في ظل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها معظم دول الخليج، وفي الطائف كان هنالك عمارة سكنية ذات 9 طوابق، يعمل عليها العمال، فإذا مررت بجانبهم نهاراً لسمعتم إزعاج الطرق وصوت اصطكاك الأخشاب، وبرد الحديد وخلط الإسمنت. وفيما كان العمال منهمكين فإذا بأحدهم قد زلت قدمه وسقط من الطابق التاسع.. صرخ الجميع وشاهدوه وهو يهوي من الأعلى وقد فتحت أحداقهم على أوسعها ودقت قلوبهم دقة انتظار ورؤية مصرع إنسان أمام ناظريهم، وإذا بالعامل يسقط على كومة من التراب بطريقة خفيفة وقام فجأة وكأن شيئاً لم يكن.. صفق الجميع وهتف وهرعوا إليه يباركون له نجاته من الموت.. وصاروا ينظرون للأعلى وتحديداً الطابق التاسع ويتعجبون كيف سقط ولم يمت أو حتى يصاب بأي خدش أو كسر، كان المشهد أشبه بمعجزة، فإذا بالعامل وقد دمعت عيناه وسجد سجود الشكر لله على أنه وهبه عمراً جديداً وأنقذه من موت محقق، ونظر لأصدقائه المباركين له مقرراً أن يشتري لهم مرطبات باردة على حسابه احتفالاً بهذه المناسبة، فذهب إلى أقرب بقالة، وخرج منها وهو يحمل صندوقاً بلاستيكياً مليئة بقوارير زجاجية من مشروبات غازية، وفيما هو يهم بالتوجه إلى أصدقائه وتحديداً إلى كومة التراب التي سقط عليها، فإذا بسيارة مسرعة تفرمل وتدهسه .. وأمام أعين العمال هذه المرة، تناثرت في الجو أشلاؤه.. والقوارير الزجاجية سقطت على الأرض وانكسرت.. وسلم العامل روحه إلى بارئه. [email protected]