السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

حمى الخطابات القطرية

مرة أخرى يستغل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد منبراً سياسياً، للدفاع عن مغامرات تنظيم الحمدين طيلة عقود خلت، وكأن النظام القطري بات مصاباً بـ «حمى خطابات» موسمية، هذه المرة سعى لاستغلال مؤتمر ميونيخ للأمن، وبعبارات اعتقد لوهلة أنها ستدغدغ مشاعر المشاركين في المؤتمر، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، ولا علاقة لهم بما يجري على الأرض. الشيخ تميم بن حمد سعى إلى اتهام الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب بأن نظرتها للأمور قاصرة وتفتقر للحكم الرشيد، وهي الدول التي حرص على تسميتها في خطابه بــ «الدول المحاصرة»، وتارة يوجه لها الاتهام بأنها «الدول الأربع المقاطعة» تسعى لمحاربة «الحرية» الإعلامية التي تنعم بها قطر. من هنا علينا أن نعذر الشيخ تميم بن حمد، وأن نتقبل أفعال تنظيم الحمدين من قبله، فإذا كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ناهيك عن الدول المتضامنة مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، إن كانت هذه الدول تفتقر للحكم الرشيد على حدّ قوله، فهذا دليل يؤكد أنه بالتعاون مع تنظيم الحمدين سعى ويسعى إلى إحلال حكام جدد في المنطقة، وتحديداً تنصيب من تستطيع الدوحة تحريكهم عن بعد. كتبت هنا في وقت سابق عن «سيكولوجيا» السياسة القطرية، وخطاب الشيخ تميم امتداد لهذه السيكولوجيا، فهم حتى في تعهدات المصالحة الموقعة في 2014 وملحقها، والتي لم ولن يلتزموا بها، يؤكدون بعدهم عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنه يعود الآن ويعلنها صراحة أن هذه الدول تفتقد للحكم الرشيد، الذي أجزم أنه لا يرى غير حكمه وحكم تنظيمه الدموي رشيداً وصالحاً للحكم في العصر الحديث. الدوحة كل يوم يمر تبتعد فيه عن محيطها الخليجي، بسبب انتهاجها سياسة المكابرة السياسية التي لن تجديها نفعاً، وكل ما تفعله هو وضع نفسها في خانة العزلة الدولية التي لم تفعل بعد، وهي تدفع بنفسها أيضاً إلى مسرح الابتزاز السياسي، وهي تدرك قبل غيرها أن هناك من يتكسب على قضيتها، ويسعى لإطالة أمد الأزمة، حتى تبقى فاتورة الحساب القطرية مفتوحة. أمير قطر للأسف يتجنى على الصحافة والإعلام، وهو يعلم أن بلاده ليست الملاذ الآمن لحرية الصحافة كما يدعي، وإنما هي ملاذ للمخالفين والمختلفين سياسياً من دول العالم، ولكن حرية الصحافة وفق المفهوم القطري لا يمنعها من بث السموم في أمور تتعلق بالدول الصديقة، ولا يمنعها من تصدير أصغر قضية تحدث في أي دولة أخرى، وتصويرها بأنها قضية عالمية، فيما الدوحة والدول التي تراها قطر صديقة لها، آمنةً مطمئنة. ادعاء أمير قطر بتدخلات الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لمنع وتقييد حرية الصحافة، أمر منافٍ للحقيقة والواقع، وكل ما فعلته الدول هو طلبها أن تكف قطر عن التدخل في شؤونها الداخلية إعلامياً وسياسياً، وإذا أرادت الدوحة الحق، فإن الدول الأربع المقاطعة هي أول من سيبارك اعتماد الحرية الإعلامية في قطر، ويمكنها أن تسهم في ذلك إذا توفرت الرغبة لدى الدوحة، وعلى الدوحة أن تبدأ بشأنها الداخلي، وإذا كان لديهم نقص في إمكانية خلق مواد إعلامية جيدة، فسنجد لهم فريقاً محترفاً، ينظر من خارج الدائرة، وسيخلق لهم الكثير من القصص التي تستحق النشر والمتابعة، بدءاً بالتجنيس وانتهاءً بالقضايا الداخلية للأسرة الحاكمة نفسها. إذاً نحن أمام حالة أخرى من التناقضات السياسية القطرية، أو السيكولوجيا السياسية، ولكن السؤال الأهم حتى نضمن ما سيكون في مقبل الأيام، هل الخطاب جرى تشفيره قبل إلقائه أمام المجتمعين في مؤتمر ميونيخ للأمن؟ وهل جرى تحريف محتوى الخطاب عبر الترجمة الخاطئة له بشكل متعمد؟ أم أنه الخطاب نفسه والترجمة المصاحبة له هي الصحيحة؟ لأنه بصراحة لم يعد هناك أي مصداقية لكل ما يأتي من الدوحة، ومن المتوقع أن تعود قطر لاتهام الدول المقاطعة بفبركة خطاب الشيخ تميم بن حمد وتحريف مضمونه. [email protected] محلل سياسي