الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

الساحة

حين كنتُ أمشي باتجاه مقعدي وسطَ ساحة النساء، شعرتُ بأنني أغادرُ نسائمَ حديقتي الخافتة، إلى بيادر ساطعة من الأضواء. كنتُ كأنني أعبرُ جداراً يفصلني عن صحراءٍ مغتربة: منذ طفولتي، وأنا وحيدةُ أبي الأرمل. كان يراقب أغصاني، وهي تنتشرُ في ساحة البيت، ويراقب أزهاري وهي تتفتحُ، لتملأ حياتَه بعطري، الذي لم يكن يستحقه سواه. وحين اختارَ مَنْ يقطف ثماري، تمنيتُ أن يكونَ شبيهاً به. الرجل الآنَ خارج الساحة، تَصِلُني عنه أوَّلُ القصص، بأنه نزع «بشته»، وتفرغ لخدمة الضيوف: هوذا أبي، وإنه كان أولَ الضاربين على الدف، وأولَ مَنْ عَلَتْ قصائدُه لتزخرف َالفضاء بالوجد: هو ذا أبي، الذي يحول كلَّ مكان يكون فيه الى خيمةٍ تدفئُ ضيوفَها بحكايات العشق. كم كنت أودُّ لو وُلِدتُ ذَكَرَاً، لأشاركَهُ فروسيته. أشفقُ عليه كنتُ، حين يخلقُ من العدم، ما أريد. ولم أكن أريدُ إلا أن أراهُ رايةً شامخة، تعلوها النار. هكذا كنت أريد الرجلَ الذي سيختارَهُ لي. ها هي الزغـاريدُ تهتاجُ الآنَ، احتفاءً باقترابه من مقعدي. الآن، سأراه. [email protected]